ونرى من اللغويين في معترك الصادقين من يستحي الشيطان فضلا عن غيره من تعليقاته على آيات القرآن؛ ومن يلقي نظرة طائشة على بعض كتب البلاغة المعاصرة وبخاصة في باب الحذف والتقديم والتأخير والاستثناءـ ليستغفر الله له وللكاتب مما جرى به قلمه.
وصحيح بأن فضل الله لا يحجر، وأنه يوجد في النهر ما لا يوجد في البر والبحر، ورب مبلغ علم لمن هو أفقه منه، وأن الإنابة وحدها كفيلة باستخراج درر القرآن وعجائبه لقوله تعالى {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [12] هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} [غافر: 13]
إنابة بذلة وانكسار بباب" الله العلي الكبير" بهذا الاسم الذي اصطفاه لهذا الغرض إن رمنا أن يفتح لنا باب الفهم واستكشاف المجهول والغوص في المعلوم {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الحج: 54]
وما اللغة إلا أسلوب تخاطب بين بني البشر فليس العربي بأفضل من العجمي إلا بالتقوى.
وا عجبا من معترض فَقُه الحكم والإشارات الخفية ولم يفقه لمَ اصطفى الله جل شأنه العربية لسانا لرسالته المحمدية؟ وعجيب أيضا أن يسعى موريس بوكاي1 لفهم القرآن بلغة القرآن، بينما نعرض عنها نحن ويعبر لساننا كيفما بدا له على ما حبانا الله من إشارات وومضات علمية تزيدنا فقها لنصوص القرآن.
وكان أولى بنا أن نتقن لغة القرآن إتقانا من كل جوانبها: نحوا وبلاغة وعلم أصول. ولا غنى للتطاول على هذه النهايات، بيد أننا لم نحكم البدايات. ولئن أعيتنا الحيل وقصرت الهمم ونحن في زمن التخصصات المتعددة أليس من الأيسر تعاون المتخصصين مع اللغويين لتنكشف أمور لم تتبد للأوائل وإنما فك طلسمها المنيبون من جهابذة اللغة.
فالقرآن كلام الله جاء في كتاب منشور، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42].
وإذا نفى الجليل جل علاه أن يأتي الباطل القرآن، فكل من لم يأت البيوت من أبوابها كان ضرره عظيما وخطره على نفسه وعلى الناس كبيرا. وليس هذا القول تزكية للمنيبين من المفسرين اللغويين، ورفعة لهم عن غيرهم، وإنما أقر بأن معهم زيادة علم، أما الخلائق فإني أكل شأنها إلى عالم السر وأخفى، فهو الكفيل بهم يعلم شأنهم وسرهم وعلانيتهم وما يبدون وما يكتمون، وكفى به ربا غفورا، قد سبقت رحمته غضبه، كما لا شأن لغيره بمحاسبة العباد، بل هي النصيحة بالحسنى تطرق أبواب القلوب وتحبب الخالق للخلق.
خلاصة واستنتاج:
1. كان احتكاك علماء المسلمين ببلاغة القرآن أو غيرهم من الكافرين كافيا لتبيين أن الكتاب ما جاء إلا ليتعلم الناس بلاغته ويحتكوا بها، وأن هذا الفعل لا يدخل أصلا في تحدي القرآن للبشرية. وصدق الله العظيم. ?هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ? [الجمعة 2]
2. ومن هنا وجب البحث عن وجه مكمن الإعجاز.
3. إنه لمجرد الإيمان بكون هناك كلام جاء ليعارض القرآن لهو كفر صريح عندنا فيه من الله برهان.
4. بدا لنا سر قوة القرآن في مواصفاته بأوصاف ربانية، وتلك خاصية من خصائص القرآن؛
5. فالكتابة في مجال العقائد ليست من باب الاجتهاد الفقهي حيث هناك مصيب للحق ومخطئ له، وإنما هنالك مصيب للحق أو آثم، وإثمه لبسه من جراء تقوله على الله أو على كتابه بغير علم؛ والتقول على الله من أعظم الذنوب إطلاقا؛
6. لكل العلماء في مجال تخصصهم على وجه عام كلام له دلالاته عن الإعجاز العلمي للقرآن، سواء كانوا أدباء، أم فيزيائيين، كيماويين، أو غيرهم؛
7. وللأدباء الراسخين في العلم على وجه خاص كلام جليل القدر عظيم الشأن في مجال الإعجاز البلاغي.
ما هو جوهر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم؟
كي لا نمضي على درب من تكلموا عن إعجاز القرآن الكريم بما بدا لهم من إعجاز، وحتى لا نفتري على الله وكتابه وآياته افتراء بغير علم، ولا نتقدم النصوص القرآنية نبعد الجدل لندخل في حوار مباشر مع القرآن وكفى به عليا حكيما:
نصوص التحدي لإعجاز القرآن
¥