?وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ? [الشورى: 52].
قال القرطبي: وقال ابن زيد: "الروح: القرآن"، قال الله تعالى: ?وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا?.1
تسميته بالروح:
قال الرازي: "الرابع عشر: الروح ? وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا? [الشورى: 52]. ?يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ? [النحل: 2] وإنما سمي به لأنه سبب لحياة الأرواح، وسمي جبريل بالروح ? فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا? [مريم: 17] وعيسى بالروح ?ألقاها إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ? [النساء: 171].1
القرآن روح وريحان:
قال ابن أبي شيبة: (42) باب في مثل من جمع القرآن والإيمان: ((2) ... عن أنس أن أبا موسى حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طيبة الطعم طيبة الريح، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها"1.
فالقرآن روح تفوح بالرياحين، فمن صحبها حفظا ومدارسة تجلت أنوارها ورياحينها عليه في الدنيا، وعصمته من العذاب في الآخرة. ومن صد عنها صدت عنه وخذلته يوم يجد كل امرئ ما عمل من خير محضرا. «إن هذا القرآن عصمة لمن اعتصم به» لأنه يعصم الناس من المعاصي".2
شواهد أخر على روحانية القرآن:
?يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ? [النحل: 2].
?رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ? [غافر: 15].
?تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ? [المعارج: 4].
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً? [النبأ: 38].
?تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ? [القدر: 4].
أثر روح القرآن على روح الإنسان
تمت إثارة هذا الموضوع في كتابنا الجزء الأول من " الأسماء الحسنى" ولم يكن المجال هناك مسعفا لتوضيح هذه المرامي. ولعل القدر ادخر هذا الأمر لهذا المبحث، ومن الله نستمد العون والتوفيق.
لما كان خلق الإنسان من تراب كان جل أكله مما ينتجه التراب، وهذا أمر معلوم بالضرورة، ولا حاجة تدعو للبرهنة عليه. أما الروح التي بجنب الإنسان فهي نفخة علوية ربانية، ولا غرو فهي أمانة استودعنا الله إياها، فمن اعتنى بها وأكرمها بما جاء من عند ربها من قراءة قرآن وذكر (بما في ذلك من قراءة القرآن وتسبيح وتهليل وحمد وتكبير وحوقلة واستغفار وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ... ) اطمأن قلبه واستحوذت عليه السكينة، ومن أعرض عن ذكر الله بصفة مجملة كانت معيشته ضنكا فضلا عن كونه يحشر أعمى. ?وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى? [طه: 124].
ويحتج الإنسان يومئذ عن سبب حشره أعمى ?قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً? [طه: 125].
فيجيب الله العلي الكبير سبحانه وتعالى بالحق الذي هو ميزانه للناس جميعا: ?قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى? [طه: 126].
وفي سياق آخر يحاور المنافق المؤمنين ? يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ? [الحديد: 13]، لكن المؤمنين يدركون جيدا بأنه نور اقتبسوه في الدنيا من كتاب ربهم:
¥