تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العبارتان نستلهم من دفئهما الشيء الكثير، ونرمي بالمصطلحين إلى الإشارة إلى أسرار يقينية لا يمكن الكلام عنها من غير دليل علمي، والله يفتح لعبده ما يشاء من علمه، إلا أننا نعرب عما يختلجنا عن قوة ثقله.

ليست قوة تأثير القرآن وثقله إلا رموزا نستعيرها لتقريب الفهم والمعاني - ويفتح الله لعبده ما يشاء -؛ ذلك بأن القرآن كلام الله، والله جل شأنه قوله فعل، وفعله قول، وهذه أهم خصائص القرآن: ?إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ? [يس: 82].

والله جل شأنه قوله الحق، والقرآن فرقان بين الحق والباطل، وقوله فصل لا هزل فيه، فضلا على أن قدرة الله لا حد لها، ولا مانع يعترضها؛ إذ الله قاهر فوق عباده، ويفعل ربك ما يشاء ويختار.

لا نقول قول الجاهلين بأنه سبحانه وتعالى يفعل الأشياء لا لحكمة، وإنما كل شيء عنده بقدر، وجعل لكل شيء قدرا، وكل شيء أحصاه كتابا، فهل هذا شأن العابثين، أم هو تقدير العزيز العليم؟ فليس في قانون الله لهو ولا لعب، ولا خلق الأشياء عبثا، فسبحانه من حكيم حميد. ? وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ? [يوسف: 21].

والقرآن استوي ثقل الحجة فيه والبرهان بدامغ الأدلة وجزالة اللفظ وأقوى بيان، فضلا عن جوامع الكلم بلطف وإحسان، دعا إلى سبيلي الرشاد والأمن والآمان، في الدنيا والآخرة والفوز بالجنان، ونهى عن الزيغ والظلم والكفر والطغيان، وتوعد أهلها بالخسران المبين وبجحيم النيران، فيا لشدة الهول وعظيم المشهد وكبير الهوان! وقال مهددا: ? سنفرغ لكم أيها الثقلان? [الرحمن: 31]. لو صادف آذانا صاغية لشابت من هوله الولدان، فكيف بمن تدبره ووقف عنده بإمعان، وسبقت رحمته غضبه سبحانه من رحيم ورحمان.

وليس ثقله في حمله تعسر؛ إذ ذكره للإنسان تيسر، وإنما الإنسان على الأمانة تجسر، وفي نظم عقدها لم يتدبر ولم يتفكر، فهنيئا لمن تزكى وبهديه تدثر، وعلى ربه اعتمد وبإذنه تطهر، وإلى المُخْلَصين انتسب وتحرر، وإلى المكرَمين ثوى وتنور، وإلى المصطَفين الأخيار هفا وتصبر، وإلى المقربين سعى سعيه وتكثر.

ومهما تدخل المتدخلون واختلفت أقوال القائلين فإن إعجاز القرآن يكمن في قوة تأثيره وصدق كلمه وقهر حقائقه، فلنعرض إشارات المفسرين لثقل وقوة القرآن بإشارات تغني عن الإسهاب عند ذوي الألباب، وبعدها نلمس قوة قهر القرآن لمن خالفه في كل أوان.

بعض معاني قوة القرآن وثقله لدى المفسرين

وقال الطاهر بن عاشور1 عند قوله تعالى: ? وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً? [الرعد: 31].

" إذ لم يهتدوا بهدي القرآن ودلائله والحال لو أن قرآناً أمَر الجبال أن تسير والأرض أن تتقطع والموتى أن تتكلم لكان هذا القرآن بالغاً ذلك، ولكن ذلك ليس من شأن الكتب، فيكون على حدّ قول أبَيّ بن سُلْمَى من الحماسة:

... ولو طَارَ ذو حافر قَبلها لطارتْ ولكنه لم يَطِر."

تعقيب:

على هذا المعنى تضافرت أقوال المفسرين، وأرى وأستغفر الله بأن الأمر على غير ما قالوه؛ إذ جاءت هذه الآية بمثابة قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: 111]

{وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} وتقديره لكان هذا القرآن لعظمته ولاستمداده قوته من الذي له القوة جميعا، فكيف يعجزه فعل أي شيء؟.

وكيف لا تسير الجبال ولا تنشق الأرض ولا تكلم الأموات بهذا القرآن وقد حكى القرآن بأنه لو أنزل القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. " ? لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله? .. والذين أحسوا شيئاً من مس القرآن في كيانهم يتذوقون هذه الحقيقة تذوقاً لا يعبر عنه إلا هذا النص القرآني المشع الموحي".1

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير