تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مغرور هذا الإنسان؛ فلئن استطاع أن يفك بعض ألغاز القوانين الكونية كمثل تحويل كمية من الماء إلى قطعة ثلج، أو العكس عندما نعرض الماء لدرجة حرارية معينة، أو استطاع فك لغز تكاثر الميكروبات بالرصد والمتابعة، فإنه لم يدرك لقوانين وسنن نظم الحياة معنى ولا مغزى، نعم لكم يطول كلام المحللين السياسيين عند وقوع حادثة ما، ويستطيعون البرهنة العقلية على الحدث والغوص في التأويلات، وإطلاق العنان للحدس والظنون، أما الجزم يقينا بعوامل الصراع الحقيقية، لا الصورية، والتي كانت من وراء الحدث، فهذا ما لا مطمع لهم فيه، ولا مطمح لهم للتطلع إليه.

ففي قوله جل وعلا: ? فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [الروم: 50]. أمر بتتبع سنن الله في كونه. مثلا: كيف تنبثق عن عظم ثمرة نبتة لينة ثم شجرة ونخلة شديدة الصلب؟ ومن ثم تتبع سنن الأشياء، مثلا كيف تكتمل دورة المياه جريانها؟ كيف تتحول قطعة ثلج إلى ماء إلى بخار إلى مطر إلى وديان وبحار إلى بحار وجبال ثلجية ثانية لتكتمل الدورة؟

فعوامل الصراع السياسي هي أيضا مجموعة من المتناقضات قد تتحول إحداها إلى أخرى إذا ما توفرت شروط التحول. فالغنى العريض قد يتحول إلى فقر مدقع، والعكس صحيح، والصحة قد تتحول إلى مرض، وعكسها صحيح أيضا، والحياة قد تتحول إلى موت، وهكذا دواليك.

ولما كان الظلم هو وضع الشيء في غير محله أو في غير إبانه، كان أيضا مؤذنا بالخراب، وأعظم الظلم على الإطلاق الشرك بالله والتقول عليه، وكان انعدام الأمن معهودا للظالمين بصفة عامة، ?وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأنعام: 129] وللمشركين بصفة خاصة؛ لقوله تعالى: ?الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ? [الأنعام: 82].

لقد ناور كثير من رؤساء الدول ودخلوا في حمى أمريكا وعزتها بداية فكيف كان مآلهم نهاية؟ ليت قومي يعتبرون بأن كل من اتخذ إلها غير الله رصده العهد الرباني: ? وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً [81] كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً? [مريم: 81 - 82].

واتخذ آخرون الاتحاد السوفييتي البائد وليا ونصيرا ونادوا بجبهة الصمود والتصدي، فكيف كان المصير؟ ألم يطردوا من الأعتاب، وخسفت مكانتهم بين الأصحاب؟ ليتهم تدبروا! ليتهم تذكروا! وإنما استبدلوا قبلة الشرق بقبلة الغرب!!! ليتهم لم يفعلوها ليتهم!!!

وإذا ما حذرهم محذر وعد الله، وجاءهم بالبيِّنات، استهزؤوا منه وسخروا من أقواله، بل سجنوه، وعلى لائحة الإرهاب حشروه ... لا إله إلا الله ... ? قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ? [التوبة: 64].

وما ألح الله على شيء مثل إلحاحه على السير في الأرض؛ إذ أمر بالسير في الأرض سبع مرات، واستنكر علينا قعودنا سبع مرات، وليس السير في الأرض غاية لذاته، وإنما لاستكشاف أسرار وسنن الذين من قبلنا:

(انظر لائحة الأوامر السبع بالسير في الأرض وكذلك الاستنكارات السبع في فقرة الإعجاز الرقمي في القرآن)

ونستشف برهف الحس من بين هذه النصوص بأن للهداية سننا، وأن للضلالة سننا، وأن لفضل الله سننا، وأن لعقابه سننا، وان الاعتزاز بالقوة والآثار لا تغني شيئا من أمر الله، وأنه لا راد لأمر الله، إلا الدعاء بذلة وصغار واستغفار، فضلا عن التحصين بأسماء الله الحسنى والدخول في معقبات بين يدي المرء ومن خلفه يحفظونه من أمر الله، إضافة إلى الإنفاق في سبيل الله.

فانظر حفظك الله: كيف تتبدل المقاييس المتعارف عليها عند ذوي السلطان والجاه، والاعتزاز بالآباء والأجداد، والافتخار بالحضارات الزائفة، وبالبنين والأموال وبالقوة الدفاعية والهجومية، فكل ذلك ظل زائل، لا قيمة له عند الله، ولا يغني من أمر الله شيئا.

والتشريع الإسلامي لا يولي قيمة لشيء، إلا إذا كان فعله خالصا لوجه الله، وعلى سنة حبيبه ومصطفاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير