تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكم هم مخطئون أولئك الذين يستدلون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أُمِّ المؤمنين أم سلمة هند بنت أَبي أمية حذيفة رضي الله عنها، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أنه قَالَ: ((إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعرِفُونَ وتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ)) قَالوا: يَا رَسُول اللهِ، ألا نُقَاتِلهم؟ قَالَ: ((لا، مَا أَقَامُوا فيكُمُ الصَّلاةَ)) ([8]).

لأن إقامة الصلاة تعني: شيوع العدالة، والأمانة والوحدة، والاعتصام بحبل الله المتين، والنهي عن الفحشاء والمنكر، وتعزيز الأخلاق الفاضلة، وكبح المفسدين، وصدّ المعتدين، وحراسة الثغور، وحماية البلاد، وتوثيق عرى الإيمان، وعمارة الأرض بالخير، والعقل بالعلم، والمجتمع بالفضيلة، وليس المقصود بإقامة الصلاة هو شكلها الظاهر، وحركاتها الرياضية، فهذه يفعلها المنافقون وغيرهم ما دام ذلك يعود عليهم ببعض المكاسب والمصالح، وقد يسأل هنا سائل أو يعترض معترض بأن السياق في نص الحديث يُفهم منه أن طاعة الحكام واجبة حتى وإن كانوا ظلمة وعصاة وفساقاً وغير ذلك، وقد يَستدل المعترِض لذلك بحديث "" تسمع و تطيع للأمير، فإن ضرب ظهرك و أخذ مالك فاسمع و أطع"" ([9]). فأقول هنا لكل هؤلاء الذين يستخدمون الدين لإسكات الثائرين، ويوظفون النصوص لكم الأفواه وتثبيط الهمم، إن الإسلام برئ ومن هذا الفهم السقيم، والتوظيف اللئيم، لأن مقصد الحديث هنا هو الحث على التضحية بالمصالح الشخصية والفردية، لأجل مصالح العامة الجماعية، وذلك حين يكون الحكام فساقاً ومنحرفين في سلوكهم الشخصي وذواتهم كأفراد، فهذا لا يضيرنا ما داموا يقيمون الصلاة، ويحكمون بالعدل، ويقمعون الظلم، ويدافعون عن مصالح الأمة ويسهرون على تحقيق أمنها، ويحرصون على خيرها وبرها، وتحقيق رسالتها في التقدم والحضارة والخيرية، عندئذ ما لنا ولهم إذا كان فسقهم في داخل قصورهم فحسابهم عند ربهم.

كذلك بالنسبة لحديث وإن أخذ مالك وضرب ظهرك، فهو لمن يظلمه الحاكم بشكل شخصي وفردي لسبب من الأسباب، أو لظنٍّ من الظنون، أو لتوهمٍ أو وشاية، ينصحه النبي r أن يصبر ويتجاوز ويتنازل عن حقه درءاً للفتنة العامة، ويضحي بمصالحه الشخصية في سبيل المصلحة العامة، وذلك حين تكون الأمة رخيّة هنيّة مزدهرة آمنة مطمئنة في عمومها، وحكامها حراس أمناء لمصالحها، وحماة أشداء لأمنها ودينها وحضارتها.

أما والأمة اليوم يُنكِّل بها حكامُها، فالشعوب مضطهدة جائعة، والمعتقلات غاصّة ممتلئة، والخيرات منهوبة، والثروات مسروقة، وأعداؤنا يقاسموننا على رغيف الخبز، وحفنة البرغل، والطاقات مهدرة بل مقموعة، وأهل الفساد والانحراف يمرحون، وأهل الصلاح والهدى مُستذلّون، ودماء المسلمين تسيل في كل مكان، وأشلاء أبنائهم ونسائهم تُدفن تحت أطنان من القنابل والدمار، أما والأمة كذلك: واقعٌ مظلم، ومستقبلٌ مجهول، وإبداعٌ مقتول، وعقولٌ بائسة، وأرواحٌ يائسة، فكيف لنا أن نسكت؟! على أصحاب العمائم السلطانية أن يخرسوا ويكفوا عن التصفيق والتمجيد ليحصلوا على بعض الفُتات، وكفاهم كذباً ونفاقاً وتحريفاً للدين فالنبي r الذي حرر العرب من ترهات الجاهلية والوثنية والذلة والاستكانة والفرقة، وأخرجهم من الظلمات إلى النور لا يشرّع للخنوع، ولا ينصح بالخضوع للجبابرة والعتاة لأنه ([10]) هو القائل r : " وقد سُئل أيُّ الجِهادِ أفضلُ؟ قَالَ: "" كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائرٍ.

الدرس الخامس

حرب الكلمات والصور

لقد شاهدنا مظاهر القتل والدمار في غزة، وشاهدنا الجروح المفتوحة، والأجساد الممزقة، والدماء النازفة، شاهدنا دموع الأمهات، وسمعنا صرخات الأطفال، وكثيرون منهم لم تكن لهم صرخات لأنهم ماتوا، ومزقتهم القنابل، وأحرقهم الفوسفور، لاشك أيها السادة أنه منظر مريع، وحادث جلل، ذرفت له عيوننا، وتقطعت لهم أكبادنا، بل إن العالم كله وقف مذهولاً لهول ما يرى ويشاهد، وخرجت الجماهير في مختلف أنحاء العالم تعبر عن تضامنها مع أهل غزة، وتندد بالمجازر المروعة، ولا شك أن خروج العالم عن صمته، وصيحات الشعوب والأمم المختلفة، ونداءاتها لإيقاف المحرقة الصهيونية كان السببُ الرئيسُ فيه هو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير