تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن أهم ما تحتاجه الأمة اليوم أيها السادة في هذه اللحظة التاريخية الحرجة هو القائد الحكيم والشجاع، القائد الذي يجمع شتاتها ويداوي جراحها، ويستنهض طاقاتها ويستثمر مقوماتها، القائد الذي يحرص على حاضرها ويفكر بمستقبلها، ويدرك التحديات التي تواجهها، القائد الذي يجمع بين الشجاعة والحكمة والأمانة والقوة.

كما في قوله تعالى:] قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [[سورة القصص آية: 26].

لقد وقف سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه في يوم شديد الحر يعدُّ إبل الصدقة فنظر إليه سيدنا علي كرم الله وجهه وقرأ هذه الآية السابقة، ثم قال لسيدنا عثمان وهو يقف إلى جواره: هذا والله هو القوي الأمين، ويشير بيده إلى عمر رضي الله عنه.

وقال سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه ذات يومٍ لأصحابه تمنوا، فتمنى بعضهم مالاً ينفقه في سبيل الله، وتمنى آخر أن يجاهد ويستشهد في سبيل الله، أما عمر فقال: أتمنى أن يكون هذا البيت مملوءاً رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح. إن سيدنا عمر في كلمته هذه يدرك أهمية القائد في صنع التاريخ، وصنع النصر، وصنع الحضارة. وهو يريد من هؤلاء عدداً كبيراً يصنع تاريخاً مجيداً.

وقد كان أبو عبيدة بحق كذلك، وهو أهل لهذه الثقة من أمير المؤمنين الفاروق، فقد زاره في رحلته إلى فلسطين، فلم يجد في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فبكى عمر وشهق، وقال له: لو اتخذت متاعاً أو شيئاً؟ فرد أبو عبيدة: إن هذا سيبلغنا المقيل!.

الأمة بحاجة إلى قائد يلاحق أمراءه وموظفيه وولاته بالمحاسبة والمراقبة والحزم يقول الفاروق رضي الله عنه: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أكنت قضيت ما عليّ؟ قالوا: نعم، قال: لا، حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا؟.

فلا يكفي أن يتم تعيين بعض من يُظن فيهم الصلاح، بل لا بد من متابعة سلوكهم، والنظر في معاملتهم للناس، لأن المنصب يغير النفوس والأخلاق، وكم من إنسان كان طيباً صالحاً ثم إن المنصب غيّره.

ولذلك كان رضي الله عنه يتابع الولاة ويعدُّ أموالهم قبل التولية وبعدها، وكان إذا بلغه أن أميراً لا يعود المريض، ولا يدخل عليه الضعيف عزله. ولذلك كان له مكتب خاص مرتبط به مباشرة من " المخبرين " يبلغونه بأحوال الرعية، فكان علمه بمن نأى عنه من عُمّاله كعلمه بمن قَرُب، فكان على كل أمير أو وال عينٌ ينقل الأخبار لعمر رضي الله، حتى كان الأمراء يتهمون أقرب الناس إليهم.

ومن المناسب هنا أن نشير إلى كلمة أبي جعفر المنصور فقد كان يقول: ما أحوجني إلى أربعة نفر على بابي لا يكون هناك أعفُّ منهم، قيل من هم يا أمير المؤمنين؟ قال هم أركان الملك، ولا يصلح الملك إلا بهم، كما أن السرير لا يصلح إلا بأربعة قوائم، إن نقصت واحدة تداعى ووهى، أما أحدهم فقاض لا تأخذه في الله لومة لائم، والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي، والثالث صاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعية، فإني عن ظلمها لغني، والرابع ثم عضّ على إصبعه المسبّحة ثلاث مرات يقول في كل مرة: آه، قيل له: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: صاحب بريد يكتب بخبر هؤلاء على الصحة. وهكذا نجد أن أبا جعفر يتحسر ونحن معه على أربعة مجالات:

الأول: القضاء لأنه لازم لإقامة العدل، والحكم بالحق.

الثاني: الشرطة أو بالأحرى السلطة التنفيذية، لأن الحكم بالحق لا فائدة منه إذا لم يتم تنفيذه، فلا خير في حق لا نفاذ له، فلا بد من إيصال الحق لأهله، وكثيرون هم الذين يتركون المطالبة بحقوقهم وإقامة الدعاوى لذلك بسبب التباطؤ الشديد في التنفيذ، وأيضاً بسبب ما تكلفهم هذه الدعاوى من خسائر تتجاوز الحق الذي لهم.

الثالث: الجباية أو الضرائب: وهذه مفيدة للدولة، وتقوي نفوذها وسلطانها، ولكن من أجل الناس، ولإقامة العدل والحق والإنصاف، دون ظلم أو إرهاق، وكذلك أن يكون ذلك لخزانة الدولة لتعود على الأمة بالخير والنماء. أما أن تكون الجباية لملء الجيوب والأرصدة فهذا هو الخطر العظيم، والبلاء الجسيم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير