تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهنا لا بد أن ألفت النظر إلى خطأ يقع فيه البعض حين يعتقدون أن الأمة يجب أن تكون ملائكية، وأن النصر لن يحالفها حتى تتحول كلها إلى المساجد، وأن الناس جميعاً، أو بصفةٍ ساحقة يجب أن يصبحوا عبّاداً تقاة صالحين من الدرجة الأولى، وإلا فإن البلاء سيظل يحيق بنا، والعدو سيبقى متحكماً متغطرساً متسلطاً مسَلَّطاً علينا، وهذا بتصوري نظر قاصر، ورؤية مجانبة للصواب، لأن ذلك لم يحصل حتى في العهد النبوي، فقد كان هناك المنافقون، وضعفاء الإيمان، والمذبذبون، ومع ذلك كان النصر يحالف المؤمنين في كثير من الأحيان، وكانت الخسائر تصيبهم أحياناً، فهذه سنة من سنن الله الكونية، فلا بد من البلاء والابتلاء:

] إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [[سورة التوبة آية:111]

] ألم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [[سورة العنكبوت آية: 1 – 3].

ولقد خرج مع النبي r في غزوة أحد ثلث الجيش وكانوا من المنافقين، ولم يردهم النبي r بل انسحبوا من المعركة خذلاناً للمسلمين، ورغبة في هزيمتهم، وقد خسر المسلمون المعركة رغم أنه لم يبق مع النبي r إلا خلصاء الإيمان، وعظماء الرجال، فلماذا؟

إن السبب هو أن بعض المسلمين لم يأخذوا بأسباب النصر، وخالفوا أوامر النبي r وتعليماته لهم، فكان ذلك درساً لهم، إن الإيمان لا يغني عن الأسباب، كما أن الأسباب لا تغني عن الإيمان، وفي غزوة حنين كان هناك عددٌ كبيرٌ من المذبذبين والطلقاء، ومع ذلك كانت النتيجة هي النصر المحقّق بعد خسارة قصيرة مؤقتة. إن الإيمان والتقوى والعبادة والدعاء عناصر جوهرية في كل المعارك مع العدو الخارجي والداخلي، ولكن الشيء المهم أيضاً والذي يجب أن ندركه جيداً هو أن للنصر والهزيمة أسباباً وسبُلاً وسنناً يجب أن نعرفها جيداً، ونأخذ بها دون تردد، ودون تقاعس، وهذا الدرس قرأناه في بدر وأحد، وحنين، والخندق، واليرموك، والقادسية ومعركة الجسر، وعين جالوت، وبلاط الشهداء وفي نكبة 48 ونكسة 67 وفي أفغانستان، والعراق، وأخيراً قرأناه جيداً في صمود المقاومة اللبنانية، ثم المقاومة الفلسطينية المشرفة في الأيام الأخيرة في حرب الفرقان.

أقول هذا الكلام أيها الإخوة لأن كثيراً من المغفلين أثناء الحرب أخذوا يراهنون على خسارة المقاومة، وليس هؤلاء الذين يراهنون على خسارتها هم من الأعداء، فهؤلاء لا غرابة في ما يذهبون إليه، بل من الأصحاب، ولكنهم أصحابٌ حمقى، وذلك لأن الأمة بنظرهم لا تنتصر ما دام فيها عصاة وخَطَئَةٌ ومذنبون، وهذا أمر عجيب فإذا كان ذلك صحيحاً فكيف انتصرت الأمة في تاريخها ولم يخل زمان من كثير الفساق وأهل الفجور، بل لعلهم دائماً كانوا أكثر من أهل الصلاح والهداية.

إن أهم مشهد يبعث على التفاؤل والأمل أيها الإخوة هو مشهد القادة العظماء الذين سقوا بدمائهم تراب غزة، إنه مشهد رائع يذكرنا بالرعيل الأول فحين نذكر الشهيد المقدام مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين رحمه الله وكيف قضى حياته بالشهادة والصلاة، وفي أي وقت؟ وهو خارج من صلاة الفجر! وهو على كرسيه المتحرك، وهو يذكر الله عز وجل، ويسبح بحمد ربه سبحانه وتعالى، ثم نذكر الشيخ القائد المقدام الشهيد البطل الشيخ عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله، ثم نذكر الشيخ المحدث العالم الداعية الشهيد الشيخ نزار ريان، ثم المجاهد البطل وزير الداخلية الشهيد سعيد صيام وغيرهم من القادة الميامين، فإن هؤلاء القادة الأبطال يذكروننا والله بسيدنا حمزة أسد الله وأسد رسوله، ومصعب بن عمير، وعمير بن الحمام، يذكروننا بأبي عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، وأبي دجانة، والقعقاع بن عمرو، وشرحبيل بن حسنة، والمثنى بن حارثة الشيباني.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير