تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما فى كتب ابن المقفع الأخرى فإن الأمر أوضح وأكثر بروزا. وهذه بعض أمثلة. ولنبدأ بـ"الأدب الصغير": "أما بعد، فإن لكل مخلوقٍ حاجةً، ولكل حاجةٍ غايةً، ولكل غاية سبيلا. والله وقّت للأمُور أقدارها، وهيّأ إلى الغايات سبلها، وسبَّب الحاجات ببلاغها. فغايةُ الناسِ وحاجاتهم صلاحُ المعاشِ والمعاد"، "وعلى العاقل أن يذكر الموتَ في كل يومٍ وليلةٍ مرارا، ذكرا يباشر به القلوبَ ويقدعُ الطماح، فإن في كثرةِ ذكر الموتِ عصمةً من الأَشَرِ، وأمانا بإذن الله من الهلعِ. وعلى العاقل أن يحصي على نفسه مساويها في الدين وفي الأخلاق وفي الآدابِ، فيجمع ذلك كله في صدرهِ أو في كتابٍ ثم يُكْثِر عَرْضَه على نفسه ويكلفها إصلاحه، ويوظف ذلك عليها توظيفا من إصلاح الخلةِ والخلتينِ والخلالِ في اليومِ أو الجمعةِ أو الشهرِ"، "وعلى العاقل، ما لم يكن مغلوبا على نفسه، ألا يشغلهُ شغلٌ عن أربعِ ساعاتٍ: ساعةٍ يرفعُ فيها حاجتهُ إلى ربهِ، وساعةٍ يحاسبُ فيها نفسهُ، وساعةٍ يُفْضِي فيها إلى إخوانهِ وثقاته الذين يصدقونه عن غيوبهِ ويصونونه في أمرهِ، وساعةٍ يُخَلِّي فيها بين نفسهِ وبين لذتها مما يحلّ ويجمل، فإن هذه الساعةَ عونٌ على الساعات الأُخَرِ، وإنّ استجمام القلوبِ وتوديعها زيادةُ قوةٍ لها وفضلُ بُلْغَةٍ. وعلى العاقلِ ألا يكونَ راغبا إلا في إحدى ثلاثٍ: تزوُّدٍ لمعادٍ، أو مرمّةٍ لمعاشٍ، أو لذةٍ في غير محرَّمٍ"، "كان يُقال: إنّ الله تعالى قد يأمرُ بالشيء ويبتلي بثقلهِ، وينهى عن الشيء ويبتلي بشهوته. فإذا كنتَ لا تعملُ من الخير إلا ما اشتهيته، ولا تتركُ من الشر إلا ما كرهته، فقد أطلعتَ الشيطان على عورتك، وأمكنتهُ من رمتك، فأوشك أن يقتحم عليك فيما تُحِبّ من الخير فيكرّهه إليك، وفيما تكره من الشر فيحبّبه إليك. ولكن ينبغي لك في حبّ ما تحب من الخير التحاملُ على ما يُسْتَثْقَل منه، وينبغي لكَ في كراهةِ ما تكرهُ من الشر التجنبُ لما يُحَبّ منهُ"، "قد بلغ فضل الله على الناس من السعة وبلغت نعمتهُ عليهم من السبوغ ما لو أن أخسَّهم حظا وأقلهم منه نصيبا وأضعفهم علما وأعجزهم عملا وأعياهم لسانا بلغ من الشكر له والثناء عليه بما خلص إليه من فضله، ووصل إليه من نعمته، ما بلغ له منه أعظمهم حظا وأوفرهم نصيبا وأفضلهم علما وأقواهم عملا وأبسطهم لسانا، لكان عما استوجب الله عليه مقصِّرا وعن بلوغِ غايةِ الشكر بعيدا. ومن أخذ بحظه من شكر الله وحمده ومعرفة نعمه والثناء عليه والتحميد له، فقد استوجب بذلك من أدائه إلى الله القربة عنده والوسيلة إليه والمزيد فيما شكره عليه من خير الدنيا، وحسن ثوابِ الآخرة"، "أفضلُ ما يُعْلَم به علم ذي العلم وصلاحُ ذي الصلاح أن يستصلح بما أوتي من ذلك ما استطاع من الناس ويرغّبهم فيما رغب فيه لنفسه من حب الله، وحب حكمته، والعمل بطاعته، والرجاء لحسنِ ثوابه في المعادِ إليه، وأن يبينَ الذي لهم من الأخذ بذلك والذي عليهم في تركه، وأن يورث ذلك أهله ومعارفه ليلحقه أجره من بعد الموتِ. الدينُ أفضل المواهبِ التي وصلت من الله إلى خلقهِ، وأعظمها منفعةً، وأحمدُها في كل حكمةٍ. فقد بلغ فضل الدين والحكمة أن مُدِحا على ألسنةِ الجهال على جهالتهم بهما وعماهُم عنهما"، "فَصْلُ ما بين الدينِ والرأي أن الدين يسلم بالإيمان، وأن الرأي يثبتُ بالخصومةِ. فمن جعل الدين خصومةً فقد جعل الدين رأيا، ومن جعل الرأي دينا فقد صار شارعا. ومن كان هو يشرعُ لنفسهِ الدينَ فلا دين لهُ"، "مما يدل على معرفةِ الله وسبب الإيمان أن يوكل بالغيبِ لكل ظاهرٍ من الدنيا: صغيرٍ أو كبيرٍ عينا، فهو يُصَرّفه ويحرّكه. فمن كان معتبرا بالجليل من ذلك فلينظر إلى السماء فسيعلم أن لها ربا يُجْرِي فَلَكها، ويُدبّرُ أمرها. ومن اعتبر بالصغير فلينظر إلى حبةِ الخردلِ فسيعرفُ أن لها مدبرا ينبتها ويزكيها ويقدِّرُ لها أقواتها من الأرض والماء، ويُوَقِّتُ لها زمانَ نباتها وزمانَ تهشمها، وأمر النبوةِ والأحلامِ وما يحدثُ في أنفسِ الناسٍ من حيثُ لا يعلمونَ، ثم يظهرُ منهم بالقولِ والفعلِ، ثم اجتماعِ العلماء والجهالِ والمهتدين والضلاّل على ذكر الله وتعظيمه، واجتماعِ من شك في اللهِ وكذّب بهِ على الإقرارِ بأنهم أُنْشِئوا حديثا، ومعرفتهم أنهم لم يُحْدِثوا أنفسهم. فكل ذلك يهدي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير