تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إلى الله ويدُلّ على الذي كانت منهُ هذه الأمورُ، مع ما يزيدُ ذلك يقينا عند المؤمنين بأنّ الله حقٌّ كبيرٌ ولا يقدرُ أحدٌ على أن يوقن أنه الباطلِ"، "من أراد أن يبصر شيئا من علمِ الآخرة فبالعلم الذي يعرفُ به ذلك، ومن أرداد أن يبصر شيئا من أمر الدنيا فبالأشياء التي هي تدل عليه"، "حياةُ الشيطان تركُ العلمِ، وروحهُ وجسدهُ الجهلُ، ومعدنهُ في أهل الحقدِ والقساوةِ، ومثواهُ في أهل الغضبِ، وعيشهُ في المصارمةِ، ورجاؤهُ في الإصرار على الذنوبِ"، "لا تؤدي التوبةُ أحدا إلى النار، ولا الإصرارُ على الذنوبِ أحدا إلى الجنةِ"، "من استعظم من الدنيا شيئا فبَطِر، واستصغر من الدنيا شيئا فتهاون، واحتقر من الإثم شيئا فاجترأ عليه، واغترَّ بعدوٍّ وإن قَلَّ فلم يحْذَرْه، فذلك من ضياعِ العقلِ"، "السعيدُ يُرَغّبهُ اللهُ في الآخرةِ حتى يقُول: لا شيء غيرها. فإذا هضمَ دنياهُ وزهدَ فيها لآخرتهِ لم يحرمه الله بذلك نصيبه من الدنيا ولم ينقصه من سرورهِ فيها. والشقي يرغّبه الشيطانُ في الدنيا حتى يقول: لا شيء غيرها، فيجعل الله له التنغيص في الدنيا التي آثر مع الخزي الذي يلقى بعدها"، "فضلُ العلمِ في غير الدينِ مهلكةٌ، وكثرةُ الأدبِ في غيرِ رضوانِ الله ومنفعةِ الأخيارِ قائدٌ إلى النارِ".

هذا فى "الأدب الصغير"، والآن إلى بعض ما جاء فى "الأدب الكبير" مما يكشف عن إيمان الرجل ويبرهن أنه أبعد ما يكون عن الزندقة، اللهم إلا إذا كان للزندقة معنى لا نفهمه يدل على عكس ما نعرفه منها: "أصل الأمرِ في الدينِ أن تعتقد الإيمان على الصواب، وتجتنبَ الكبائرَ، وتُؤدي الفريضةَ. فالزم ذلك لزوم من لا غنى له عنهُ طرفهَ عينٍ، ومن يعلم أنهُ إن حُرِمَهُ هلك. ثم إن قدرتَ على أن تجاوز ذلك إلى التفقه في الدين والعبادة فهو أفضلُ وأكمل. وأصلُ الأمرِ في صلاح الجسد ألا تحمل عليه من المآكلِ والمشارب والباهِ إلا خفافا. ثم إن قدرت على أن تعلم جميعَ منافعِ الجسد ومضارّهِ والانتفاع بذلك كله فهو أفضل"، "وأصلُ الأمر في المعيشة ألا تَنِيَ عن طلب الحلالِ ... "، "اعلم أن الملك ثلاثةٌ: ملكُ دينٍ، وملكُ حزمٍ، وملكُ هوى. فأما ملكُ الدينِ فإنهُ إذا أقام للرعيةِ دينهم، وكان دينهم هو الذي يعطيهم الذي لهم ويُلْحِقُ بهم الذي عليهم، أرضاهم ذلك، وأنزل الساخط منهم منزلة الراضي في الإقرار والتسليمِ. وأما ملكُ الحزمِ فإنهُ يقومُ به الأمرُ ولا يسلمُ من الطعنِ والتسخطِ. ولن يضر طعنُ الضعيفِ مع حزمِ القوي. وأما ملكُ الهوى فلعب ساعةٍ ودمار دهرٍ"، "ليعلم الوالي أن الناس على رأيهِ إلا من لا بال لهُ. فليكن للدين والبر والمروءةِ عندهُ نَفَاقٌ فيُكْسِد بذلك الفجورَ والدناءةَ في آفاقِ الأرضِ"، "ليعلمِ الوالي أنكَ لا تستنكفُ عن شيء من خدمتهِ. ولا تَدَعْ مع ذلك أن تقدّمَ إليه القولَ، عند بعضِ حالاتِ رضاهُ وطيبِ نفسهِ، في الاستعفاء من الأعمال التي هي أهلٌ أن يكرهها ذو الدينِ وذو العقلِ وذو العرضِ وذو المروءةِ، من ولاية القتلِ والعذابِ وأشباهِ ذلكَ".

ومن هنا نرانا نختلف مع ف. جبرييلِّى ( F. GABRIELI ) كاتب مادة "عبد الله بن المقفع" فى " The Encyclopaedia of Islam : دائرة المعارف الإسلامية" فى زعمه أن كتاب "الأدب الكبير" يخلو تمام الخلوّ من الرحمة والمسحة الدينية. فهذه النصوص خير ردٍّ على ذلك الزعم. كذلك نختلف مع جبرييلِّى فى قوله إن ابن المقفع قد عمل، من خلال ما ترجمه من الأدب الهندى والفارسى، على تسليط الضوء على كنوز قومه ورد اعتبار دينهم الذى تراجع إلى الظل بعد الفتح الإسلامى لبلاده، وإن بالمستطاع كذلك عَدّه رائدا للشعوبية رغم أنه لم يترك لنا شيئا فى هذا المجال. ذلك أن ابن المقفع نفسه، بإعلانه التحول من دين الأجداد والآباء إلى دين محمد صلى الله عليه وسلم بمحض اختياره التام، هو خير تكذيب لمثل تلك السخافات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير