تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومع ذلك كله كانت النتيجة أنْ كتب هذا الشخّار النخّار سبّاب الدين إلى إدارة الجامعة التى كانا يعملان بها بذلك البلد العربى وشاية لم يعلم بها صاحبنا إلا بعد أن كان ذلك الواشى قد رجع إلى مصر عقب انتهاء عقده بعام، إذ لم يخبره أحد بالأمر الذى اتضح أن الجميع كانوا على علم به إلا بعد أن تأكدوا أن الجامعة لم تأبه له وأنها، على العكس من ذلك، قد أكرمت صاحب السطور بطريقة ملفوفة فهموها هم ولم يفهمها هو لأنه، كما قلت، لم يكن يعلم بما حدث. وكانت الوشاية الغُفْل من التوقيع تقوم على اتهام صاحب البحث بالإلحاد.

والسبب؟ السبب أنه كان قد كتب كتابا عن "مصدر القرآن" فَنَّد فيه بطريقة منهجية عقلانية كل النظريات التى طرحها أعداء الإسلام يفسرون بها الوحى المحمدى: من القول بأنه كان كذابا مخادعا، إلى القول بأنه كان واهما مخدوعا، إلى القول بأنه كان مريضا بمرض عصبى، فكتب فى الفهرست يسلسل النظريات الثلاث قائلا: النظرية الأولى أنه، صلى الله عليه وسلم، كان كذابا مخادعا. النظرية الثانية أنه، صلى الله عليه وسلم، كان واهما مخدوعا ... إلخ، فما كان من الشخّار النخّار سبّاب الدين (الذى لم يجد ما يوظف فيه ماله بعد رجوعه إلى بلده غير فتح مطعم كشرى!) إلا أن كتب إلى إدارة الجامعة أن صاحب البحث يكذّب الرسول ويشتمه ويقول إنه كان مخادعا ومخدوعا ومريضا بمرض عصبى، وظن أنهم سوف يأخذون الكتاب من فهرسه دون أن يقرأوه. ولا أريد أن أمضى أبعد من ذلك فى الحكاية، فما يهمنى هنا هو أن الرجل الذى لايترك شيئا يقع فى طريقه من الهجوم على الدين إلا امتشق قلمه وكتب يدافع ويفند منطلقا من حبه لدينه ونبيه يُتَّهم، وعلى يد من؟ على يد شخّار نخّار سبّاب للدين تصفه أم أولاده بالـ"عربجى"، بأنه ملحد!

وعودا إلى موضوعنا نشير إلى أن خليل مردم بك قد ذكر أيضا فى كتابه عن ابن المقفع أنه كان يُعْلِى من شأن العرب لافتا النظر إلى ما أنجزوه فى باب الحضارة والثقافة والسياسة على غير مثال سابق نظرا إلى أنهم كانوا أُمّة أُمِّيّة، إذ قد بلغوا ما بلغوه فى غضون زمن قصير جدا مما لم يقع لأية أمة من قبل. وهذا هو النص المذكور، وإن لم يذكر مردم من أى كتاب أخذه، وقد يكون أَخَذَه من "العقد الفريد" مع شىء من التصرف البسيط على ما سوف يتضح بعد قليل: "إنّ العرَب حَكمت على غير مِثال مُثِّل لها ولا آثارٍ أُثِرَت. أصحاب إِبل وغنَم، وسكان شَعَر وأَدَم. يَجودُ أحدُهم بقُوتِه، ويتَفضَّل بمَجْهوده، ويُشَارِك في مَيْسوره ومَعْسوره، ويَصِف الشيء بعَقْله فيكون قُدْوَة، ويَفْعَله فَيَصِير حُجّة، ويُحَسِّن ما شاءَ فَيَحْسُن، ويُقَبِّح ما شاء فَيَقْبُح. أَدَّبَتْهُمْ أنْفُسُهم، ورَفعتهم هِممهم، وأعْلتهم قُلوبُهم وأَلْسِنتهم. فمن وَضَع حَقَّهم خَسِر، ومَنْ أنْكَر فضلَهم خُصِم"

وقد أورد أبو حيان التوحيدى فى الليلة السادسة من "الإمتاع والمؤانسة" كلاما لابن المقفع فى هذا الموضوع أكثر تفصيلا، قال: "ثم حضرتُه ليلةً أخرى فأول ما فاتح به (أى الوزير أبو عبد الله العارض الوزير البويهى الذى كتب له أبو حيان هذا الكتاب) المجلس أن قال: أتفضل العرب على العجم أم العجم على العرب؟ قلت: الأمم عند العلماء أربع: الروم، والعرب، وفارس، والهند. وثلاث من هؤلاء عجم، وصعبٌ أن يقال: العرب وحدها أفضل من هؤلاء الثلاثة مع جوامع مآلها، وتفاريق ما عندها. قال: إنما أريد بهذا الفرس. فقلت: قبل أن أحكم بشيء من تلقاء نفسي أروي كلاما لابن المقفع، وهو أصيلٌ في الفرس، عريقٌ في العجم، مفضَّلٌ بين أهل الفضل. وهو صاحب "اليتيمة" القائل: تركت أصحاب الرسائل بعد هذا الكتاب في ضحضاح من الكلام. قال: هات على بركة الله وعونه. قلت: قال شبيب بن شبة: إنا لوقوفٌ في عَرْصَة المربد، وهو موقف الأشراف ومجتمع الناس، وقد حضر أعيان المصر، إذ طلع ابن المقفع، فما فينا أحد إلا هش له وارتاح إلى مساءلته، وسُرِرْنا بطلعته. فقال: ما يقفكم على متون دوابكم في هذا الموضع؟ فوالله لو بعث الخليفة إلى أهل الأرض يبتغي مثلكم ما أصاب أحدا سواكم. فهل لكم في دار ابن برثن في ظلٍّ ممدودٍ، وواقيةٍ من الشمس، واستقبالٍ من الشمال، وترويحٍ للدواب والغلمان، ونتمهد الأرض فإنها خير بساط وأوطؤه، ويسمع بعضنا من بعض فهو أَمَدّ للمجلس،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير