تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كذلك نسوق للمهووسين بالروايات الخارّين عليها عُمْيًا وصُمًّا وبُكْمًا الرواية التالية التى من شأنها أن تبصّرهم أن اتهام ابن المقفع لا يستند إلى أى دليل: "تناقلت كثير من الكتب قصة ابن المقفع مع ثلاثة من الدهريين في محاولتهم معارضة القرآن حيث رَوَوْا عن هشام بن الحكم قوله: اجتمع في بيت الله الحرام أربعة من مشاهير الدهرية وأعاظم الأدباء في العصر العباسي، وهم عبد الكريم بن أبي العوجاء وأبو شاكر الديصاني وعبد الله بن المقفع وعبد الملك البصري، فخاضوا في حديث الحج ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وما يجدونه من الضغط على أنفسهم من قوة أهل الدين. ثم استقرت آراؤهم على معارضة القرآن، الذي هو أساس الدين ومحوره، ليسقط اعتباره من معارضتهم إياه ومباراتهم له. فعرض كل واحد منهم أن ينقض ربعا من القرآن إلى السنة التالية. فإذا انتقض كله، وهو الأصل، انتقض كل ما ينبني عليه أو يتفرع منه. فتفرقوا على أن يجتمعوا في العام القابل. ولما اجتمعوا في الحج القابل وتساءلوا عما فعلوه اعتذر ابن أبي العوجاء قائلا: أدهشتني آية "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا" (الأنبياء/22)، فشغلتني بلاغتها وحجتها البالغة. واعتذر الثاني، وهو الديصاني، قائلا: أدهشتني آية "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" (سورة الحج / 73)، فشغلتني عن عمله. وقال ابن المقفع: أدهشتني آية نوح "وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (سورة هود/ 44)، فشغلتني عن الفكرة في غيرها. وقال رابعهم، وهو البصري: أدهشتني آية "فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا" (سورة يوسف/ 80)، فشغلتني بلاغتها الموجزة عن التفكر في غيرها".

أفلم يجد التعساء موضعا يجتمعون فيه لتحدى القرآن إلا المسجد الحرام؟ أية مفارقة هذه؟ ثم متى ذهب ابن المقفع إلى الحجاز وزار مكة؟ ومن يا ترى نقل لنا وقائع تلك الجلسة ونتائجها؟ ليس من المعقول أن يقول أحد منهم عن نفسه إنه كان ينوى معارضة القرآن، ثم يقرّ فوق ذلك على نفسه بالعجز؟ وفوق هذا فإن الحكاية تسكت عن وجوه البلاغة فى الآية التى أوقفت كلا منهم وأقنعته بعبث المعارضة، مكتفية بالنص على الآية دون أى شىء آخر، مع أن هذه النكت البلاغية هى التى تدور عليها عقدة القصة من أولها إلى آخرها. على أية حال يكفى فى نسف الحكاية أن ابن المقفع لم يذهب ولا ذهب أى من هؤلاء المذكورين إلى مكة.

وهناك حكاية أخرى عن ابن المقفع أوردها ابن بابويه القمى فى كتابه: "التوحيد"، وتدور وقائعها أيضا فى البلد الحرام وعند الكعبة وأثناء الطواف، وهى كاذبة كسالفتها لأن ابن المقفع، كما قلنا، لم ير مكة ولم يذهب إلى المسجد الحرام. تقول الحكاية على لسان أحمد بن محسن الميثمي: "كنت عند أبي منصور المتطبب، فقال: أخبرني رجل من أصحابي، قال: كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام، فقال ابن المقفع: تَرَوْن هذا الخلق؟ (وأومأ بيده إلى موضع الطواف). ما منهم أحد أُوجِبُ له اسم "الإنسانية" إلا ذلك الشيخ الجالس (يعني جعفر بن محمد عليهما السلام). فأما الباقون فرَعَاعٌ وبهائم. فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبتَ هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟ قال: لأني رأيت عنده ما لم أر عندهم. فقال ابن أبي العوجاء: ما بُدٌّ من اختبار ما قلت فيه منه. فقال له ابن المقفع: لا تفعل، فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك. فقال: ليس ذا رأيك، ولكنك تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الذي وصفت. فقال ابن المقفع: أما إذ توهمت عليَّ هذا فقم إليه، وتحفَّظْ ما استطعت من الزلل، ولا تَثْنِ عِنَانك إلى استرسال يسلمك إلى عقال، وسمه ما لك أو عليك. قال: فقام ابن أبي العوجاء، وبقيت أنا وابن المقفع، فرجع إلينا فقال: يا ابن المقفع، ما هذا ببشر. وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهرا، ويتروح إذا شاء

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير