تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهب الذي وَزَرَ للمقتدر بالله وابنا بسطام وإبراهيم بن أحمد بن أبي عون وغيرهم، وطُلِبوا في أيام وزارة ابن مقلة للمقتدر فلم يوجَدوا. فلما كان في شوال سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة ظهر ابن الشلمغاني، فقبض عليه ابن مقلة وحبسه وكبس داره، فوجد فيها رِقَاعًا وكُتُبًا ممن يَدَّعِي أنه على مذهبه يخاطبونه بما لا يخاطِب به البشر بعضهم بعضا، فعُرِضَتْ على ابن الشلمغاني فأقر أنها خطوطهم وأنكر مذهبه وأظهر الإسلام وتبرأ مما يقال فيه. وأُحْضِر ابن أبي عون وابن عبدوس معه عند الخليفة فأُمِرا بصفعه فامتنعا. فلما أُكْرِها مد ابن عبدوس يده فصفعه، وأما ابن أبي عون فإنه مد يده إلى لحيته ورأسه، وارتعدت يده وقبَّل لحية ابن الشلمغاني ورأسه وقال: إلهي وسيدي ورازقي. فقال له الخليفة الراضي بالله: قد زعمتَ أنك لا تدَّعي الإلهية، فما هذا؟ فقال: وما عليَّ من قول ابن أبي عون؟ والله يعلم أنني ما قلت له إنني إله قط. فقال ابن عبدوس: إنه لم يَدَّعِ إلهية. إنما ادعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر. ثم أُحْضِروا مرات، ومعهم الفقهاء والقضاة. وفي آخر الأمر أفتى الفقهاء بإباحة دمه، فأُحْرِق بالنار في ذي القعدة من سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة ... ". فما قول العاكفين على الروايات الذين يصدقونها دون أن يقلبوا فيها النظر أو يعرضوها على محكّات العقول كما صنع كل من ابن الجوزى وابن خَلِّكان مع ما كتبه إمام الحرمين؟

من هنا أرانى أرفض ما قيل عن معارضة ابن المقفع للقرآن الكريم رفضا باتا. وقد اتخذ ذات الموقف من قَبْلُ الكاتب السورى الكبير المرحوم محمد كرد على، الذى كتب بحثا قويا عن الرجل أبرز فيه بلاغته وعمق فكره وصدق إيمانه، واتهم من وقعوا فى عقيدته بأن خضعوا لما كانوا يستشعرونه نحوه من حسد وحقد، شأن الصغار مع كل كبير لا يستطيعون مساماته فلا يجدون إلا التشنيع عليه دون أن يقدموا على اتهامهم أى برهان. وهذا البحث الطويل متاح لمن يريده فى الفصل اذ عقده لابن المقفع من كتابه: "أمراء البيان". وهو، فى حدود علمى، الكاتب الوحيد الذى وقف من اتهام القدماء لابن المقفع موقف الرفض المطلق، مع الدفاع المجيد عنه والقول بأن ما تركه لنا الرجل من آثار مكتوبة خير شاهد على قوة إيمانه.

فإذا انتقلنا إلى المستشرقين ألفينا المستشرق الفرنسى كليمان هوار مثلا لا يُثْبِت ولا ينفى ما قيل عن المعارضة المنسوبة إلى ابن المقفع. إنه يذكر اتهام القدماء له، مثل اتهامهم لغيره، بأنه حاول معارضة القرآن، ثم يعقب قائلا: إن يكن الأمر كذلك فإن ابن المقفع يمثل فى هذه الحالة سابقة لما فعله الباب، الذى يصفه بأنه "مجدد الإسلام فى بلاد فارس إذ قلَّد فيما كتبه هو أيضا أسلوب القرآن: " He has been accused, with other enemies of Islam, of having endeavoured to imitate the style of the Koran, and would in this case have been a predecessor of the contemporary renewer of Islamism in Persia, 'Ali Muhammad the Bab, who also wrote in the Koranic style " .

لكن هناك مستشرقين آخرين يرددون، كما فعل جويدى ويوسف فان إس حسبما رأينا من قبل، ما قيل عن معارضة ابن المقفع للقرآن رغم ظهور عوار هذا القول وفساده ومناقضته للمنطق. ومنهم جويدى بطبيعة الحال ناشر كتاب "الرد على الزنديق اللعين ابن المقفع"، الذى يدور حوله فى المقام الأول هذا البحث الذى يطالعه القارئ الآن. ومن ذلك أيضا ما كتبه ف. جبرييلِّى ( F. Gabrieli ) صاحب مادة "ابن المقفع" فى " The Encyclopaedia of Islam : دائرة المعارف الإسلامية"، وما جاء فى كتاب " Arabic Literature To The End Of The Ummayyad Period " لمحرِّرِيه: A F L Beeston, T M Johnstone, R B Serjeant and G R Smith (Ed.), . وهذان هما النصان المذكوران على الترتيب:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير