تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونظرا لسعي فان إس الحثيث إلى توجيه أعظم كَمٍّ ممكن من الطعنات إلى الإسلام فهو لا يكل ولا يهمد في بحثه عن أي نصوص إلحادية تنفعه في شن المزيد من الغارات الشرسة على حضارة الإسلام. عثر فان إس على بعض كتب ابن المقفع الإلحادية، فسارع بنشر مقاطع من معارضة ابن المقفع للقرآن الكريم، ونشر هذه المقاطع الإلحادية في كتاب طبعته الجامعة الأمريكية ببيروت بمناسبة بلوغ إحسان عباس، صديق فان إس الحميم، سن الستين. يقول ابن المقفع في أحد مقاطع معارضته للقرآن: "تأمل صنيع الله بأهل الشام، وقد شملتهم الآثام، وكثر فيهم الإجرام. فيومئذ حين أظلتهم الآطام، والقادمين من الشرق بالخيام. إن ربك صبّ عليهم سوء العذاب. إنه لا يعجل العقاب. وله الجزاء الأوفى يومَ الثواب". ثم إنه يواصل صبّ لعناته، فينتقل إلى العراقيين، قائلا: "يا أيها الناس، قد نُسِب أهل العراق إلى الشقاق والنفاق، وفي مائها الزُعاق، ويُظهرون طاعتهم للخلاق. إن ربك هو أعلم بمن حاد عن طريقه، وهو أعلم بالمعتدين، وأوفى للمهتدين" ... يتہكم فان إس على الله، ويسخر من المسلمين في مواضع مختلفة من كتابه هذا، حيث يقول مثلا: "إن الله يتحدث اللغة العربية، ولا يخطيء في النحو". انظر: Josef van Ess und Hans Kueng, Christentum und Weltreligionen- Islam, GTB Sachbuch, Gerd Mohn, 1987, S. 37. وكان فان إس قد أورد هذه الملاحظة السخيفة في بحث آخر له نشره سنة 1974، انظر: Josef van Ess, Islam, in: Emma Brunner-Traut, Die fuenf grossen Weltreligionen, Herderbuecherei, Freiburg 1986 (1. Auflage 1974), S. 80 ".

وهذا ما أريد أن ألفت نظر القارئ إلى أنه دليل إضافى على أن ابن المقفع مظلوم، فها نحن أولاء بين أيدينا الآن نصوص أخرى من كتاب آخر يرى المستشرق المذكور أن صاحبه يريد به معارضة القرآن، وهو كسابقه يُنْسَب إلى ابن المقفع، وكأن ابن المقفع لم يكن له شغلة ولا مشغلة إلا العكوف على القرآن يعارضه ويحبّر فى ذلك الكتب المختلفة. والكتابان مختلفان، فالأول مثلا يمجد النور كما رأينا ويهاجم الله سبحانه وتعالى، على حين أن الكتاب الحالى يمجد الله الذى نعرفه جل وعلا، ولا يشير من قريب أو من بعيد إلى إله النور الزرادشتى، بما لا يتسق معه القول بأنه قد قُصِد به معارضة الكتاب المجيد. كما أن الأسلوبين مختلفان، والمعانى هنا وهناك متباينة بما يجعلنا مطمئنين إلى أنهما لا يمكن أن يكونا قد صدرا عن قلم واحد. إنما هى نصوص حبَّرها بعض العابثين، ثم نسبت (متى؟ وأين؟ لا ندرى) إلى ابن المقفع. علاوة على أن ذم كاتب المعارضة لأهل العراق يتناقض مع ما يقوله ابن المقفع عنهم فى "رسالة الصحابة" من أنهم يفوقون سائر أهل القبلة فى درجة العفاف والتقوى وجودة الألباب وأن ما يتحدث به الناس عنهم من عيوب إنما هى عيوب ولاتهم السابقين الفاسدين ومَنْ تعاون معهم منهم، وهم طائفةٌ جِدُّ قليلة. كما أنه فى تلك الرسالة أيضا يوصى الخليفة بأهل الشام رغم إقراره بما يمكن أن يسببوه للدولة من إزعاج، ولكنه لا يسبهم رغم أنه كان يستطيع ذلك مطمئنا إلى أن ذلك يوافق رغبة الخليفة لأنهم كانوا فى أغلبهم رجال الأمويين. ذلك أن التراث الذى نعرفه لابن المقفع لا يعرف السباب ولا ينتهج الهيجان سبيلا إلى التعبير عما يريد أن يقوله.

ومن نصوص الكتاب الأخير الذى احتفى به المستشرق يوسف فان إس، نقرأ: "وأما الذين يزعمون أن الشك فى غير ما يفعلون، وينتهى الثقة إلى ما يقولون* أولئك عليهم غضب من ربهم، إنه خبير بما يعملون* الذين اتخذوا من دونى نصيرا أولئك لا يجدون وليًّا ولا هم يُنْظَرون* ومنهم من يتخذ أندادا من دون الله رجما بالغيب، أولئك وراءهم شرٌّ مما يظنون"، "ألا إن الذين اتخذوا إلها من دون الواحد القهار لبئس ما يصنعون* ولا يكونون كالذين آمنوا ثم لم يثمر إيمانهم لِظُلْمهم، أولئك عليهم غضب من ربهم وهم لا يهتدون"، "المعاذَ بصاحب البلد* مالك البلد* وبانى البلد* وساكن البلد* من شر العادية* وأهل الطاغية* الذى أظلَّ صاحبه* ومنع جانبه* وحمى جاره من سكان المدَر، وخُلاّن الغدْر والغَرَر".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير