تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهنا نجد جوزيف فان إس يُفْسِد الأمرَ إفسادًا فظيعًا حين يقول إن "ساكن البلد" هو الله، ثم يتفذلك فيضيف أنْ ليس فى ذلك غرابة، إذ ورد فى سورة "القيامة" عبارة "وأنت حِلٌّ بهذا البلد". يقصد أن الله هو المقصود بقوله تعالى: "وأنتَ حِلٌّ بهذا البلد"، مع أن الطفل الصغير يعرف أن المقصود هنا هو الرسول، الذى يخاطبه الله جل وعلا فى هذه السورة الكريمة، وليس العكس كما يحاول المستشرق أن يوهمنا. كما أن الله لا يوصَف فى القرآن ولا فى الإسلام بأنه يسكن المكان الفلانى. لقد خلع المستشرق هنا ما يحتويه كتابه على القرآن الكريم، وهذا ليس من منهج العلم ولا من أخلاق العلماء، فشَتَّانَ الكتابان. ففى الكتاب المقدس نقرأ: "تَجِيءُ بِهِمْ وَتَغْرِسُهُمْ فِي جَبَلِ مِيرَاثِكَ، الْمَكَانِ الَّذِي صَنَعْتَهُ يَا رَبُّ لِسَكَنِكَ الْمَقْدِسِ الَّذِي هَيَّأَتْهُ يَدَاكَ يَا رَبُّ" (خروج/ 15/ 11)، "فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِسًا لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ" (خروج/ 25/ 8)، "فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمُ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لأَسْكُنَ فِي وَسْطِهِمْ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ": (خروج/ 29/ 46)، "وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلا: «أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَنْفُوا مِنَ الْمَحَلَّةِ كُلَّ أَبْرَصَ، وَكُلَّ ذِي سَيْل، وَكُلَّ مُتَنَجِّسٍ لِمَيْتٍ. الذَّكَرَ وَالأُنْثَى تَنْفُونَ. إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ تَنْفُونَهُمْ لِكَيْلاَ يُنَجِّسُوا مَحَلاَّتِهِمْ حَيْثُ أَنَا سَاكِنٌ فِي وَسَطِهِمْ» (عدد/ 5/ 1 - 3)، "فَتَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ، سَاكِنًا فِي صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي. وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مُقَدَّسَةً وَلاَ يَجْتَازُ فِيهَا الأَعَاجِمُ فِي مَا بَعْدُ" (يوئيل/ 3/ 17)، "أَنْ تَحْفَظَ الْوَصِيَّةَ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ لَوْمٍ إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي سَيُبَيِّنُهُ فِي أَوْقَاتِهِ الْمُبَارَكُ الْعَزِيزُ الْوَحِيدُ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ" (تيموثاوس الأول/ 6/ 14 - 16). وعلى أية حال فمن البيّن الجلىّ الذى لا يقبل المماراة أن الكلام فى النص إنما هو عن رجل لا عن الله سبحانه، إذ لدينا إنسان يعوذ به جيرانه فيُعِيذهم من عدوان المعتدين. فما صلة هذا بالله سبحانه كما فى كلام المستشرق السخيف؟

وكنا قلنا فى الكتاب الأول إنه ينتمى إلى ما بعد ابن المقفع بأكثر من قرن مما دفعنا إلى الدهشة والتساؤل: ترى أين كان هذا الكتاب الثانى عبر ذلك التاريخ الذى يزيد عن قرن؟ وكيف غاب عن العيون كل تلك العقود الطويلة لم يلفت نظر أحد من المسلمين فلم يذكره، فضلا عن أن يرد عليه؟ وهو ما نقوله هنا أيضا. ذلك أن النصوص الأخيرة قد عُثِر عليها فى كتاب "الرسالة العسجدية فى المعانى المؤيدية" لصاحبها عباس بن على بن أبى عمرو الصنعانى كما جاء فى بحث فان إس الذى نحن بصدده، وهو متأخر عن عصر القاسم بن إبراهيم كثيرا جدا، إذ لو أخذنا بالاحتمال الأقرب فهو من أهل القرن الرابع، أما لو اعتمدنا الاحتمال الآخر فهو بعد ذلك بزمن طويل. ولا ننس كذلك أن هذه المعارضة المزعومة تقوم كلها على السجع، وأين السجع من أسلوب ابن المقفع، بل من أسلوب عصره كله؟

والآن أرجو أن يكون الأمر قد اتضح للقارئ فاقتنع بأن التفسير الذى قدمناه لا سواه هو التفسير الحق. وأيا ما يكن الأمر فابن المقفع لم يُقْتَل بسبب معارضته القرآن: أولا لأن أحدا من القدماء لم يقل بهذا. بل إننا لم نسمع أصلا بأنه قد عارض القرآن إلا من خلال رد ابن طاطبا، القاسم بن إبراهيم، الذى نسب إلى الرجل بعد انتقاله إلى العالم الآخر بأكثر من قرن أنه قد أقدم على تلك المعارضة، ومن خلال عباس بن على بن أبى عمرو الصنعانى، وهو بعد القاسم بن إبراهيم بزمن طويل. وعلى هذا فإن المدعو: مؤمن صالح ( Mumin Salih )، الذى كتب مقالا بعنوان " Responding to Allah’s Challenge " فى موقع " watch islam " بوصفه مسلما سابقا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير