تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فسبحان الله باي وجه ياتي هؤلاء بعد قرون مضت ويقولوا هذه المقولة الشنيعة

ومن الذين نحو نحو المستشرقين من اليهود والنصارى الحداثي محمد عابد الجابري

ـ[محب]ــــــــ[04 Jun 2009, 12:59 م]ـ

أن المتكلم لا يعتقد ما نعتقده، وليست مراجعنا هي المقنعة له، ولا طريقتنا في نقد الآثار كذلك، فكوني أقول له: (هذا بلاغ، وقال فلان من علمائنا كذا)، فإني أظنُّ أن هذا لا يصلح للرد تأسيسًا، وإنما يكون تأنيسًا

الخصم لا يحتج بحديث أو خبر لأنه يعتقد صدقه ابتداءً، وإنما هو يحتج به على سبيل الإلزام لنا بما نقر بصحته في زعمه. فنقول له: إلزامك لا يتم علينا لأننا لا نقر بصحة هذا الخبر حسب أصولنا.

وبعبارة أوضح:

الخصم يقول: هذا خبر صحيح عندكم فيلزمكم كذا وكذا ..

فنقول: بل لا يصح عندنا فلا يلزمنا ما زعمت ..

ويكون ردنا في قمة الوجاهة، لأنه رضي التحاكم إلى أصولنا، فأعطيناه ما طلب.

ولا يُتوهم أن يماحك الخصم فيقول: بل علمت بصحة هذا الخبر ابتداءً لا إلزامًا .. هذه المماحكة هنا مستبعدة، بل هي نادرة جدًا، لا تقع إلا من أحمق يعطي كتفيه لخصمه!

لأنه لو قال هذا، فسيكون الجواب كما قال أستاذنا (مساعد الطيار) وفقه الله ..

فلو قال الخصم: أعتقد صحة هذا الخبر ابتداء ..

لقلنا: إليك إذن أخبارًا من نفس الطريق في نفس مسألتك تبطل قولك وخبرك، فيلزمك بطلان قولك أو الوقوع في التناقض .. واختر أحلى المرين!

والمرء لا يحتج على خصمه بخبر إلا لأحد أمرين:

1 - إما لأنه علم صحته ابتداءً ..

2 - وإما إلزامًا لخصمه ..

فعلى الأول: يلزم أن يقبل المحتج كل ما جاء من نفس الطريق، لأن حكم الشيء حكم نظيره، والتفرقة هنا محض تحكم.

والثاني: لا يقع إلا إذا كان خصمه يقر فعلاً بصحة الخبر، أو كانت أصول مذهبه تقتضي صحته.

ولذلك جرت عادة العلماء سلفًا وخلفًا على التبرؤ مما لا يصح عندنا؛ إذ لا يلزمنا كما أراد الخصم.

هناك أيضًا وجاهة أخرى في استخدام أصولنا في الرد، قد بينها (أبو عمرو البيراوي) - وفقه الله - في مشاركته .. فجزاه الله خيرًا، فما أحوج العاملين في رد الشبهات أو دعوة غير المسلمين إلى التنبه لها.

هذا .. ومقام (المقال) أو (الكتاب) يختلف عن مقام (الجدال) أو (المناظرة) .. ففي المقام الأول قد نتبرع ابتداءً بتبيين ضعف الخبر الذي احتج به الخصم .. وأما في المقام الثاني، فالأولى عدم التبرع بهذا ابتداءً ..

بل نقول للخصم: من أين علمت صحة هذا الخبر الذي تحتج به علينا؟

وكما قلنا: لا سبيل له إلا إحدى اثنتين: إما علمه ابتداء بنفسه، وإما إلزامًا لنا لا أكثر ..

فإن زعم أنه علم صحته ابتداءً - وهذا نادر - فسيضطر إلى تبيين طريق هذا العلم .. كأن يقول مثلاً: أخبر بالخبر فلان وهو صادق، عن فلان وهو صادق .. أو ما شابه ..

فنلزمه بأخبار أخرى من نفس الطريق، أو من جنسها، أو آكد منها ..

لكن هذا نادر كما قلت، ولا يفعله إلا أحمق.

والثانية هي الشائعة، فيقول الخصم: لا أعتقد بصحة شيء، ولم آتِ بشيء من عندي، إنما هي كتبكم ومصادركم وأقوال علمائكم .. لم ألزمكم إلا بما عندكم ..

فنقول له: إلزامك لا يتم لأننا لا نعتقد بصحة الخبر لمجرد ذكره في كتبنا، بل لنا قواعد يعلمها القاصي والداني في تصحيح الأخبار ..

فإن قال: صحح هذا الخبر فلان وفلان من العلماء ..

قلنا: قد خالفهم آخرون من علمائنا أيضًا، فلماذا (قلدت) فريقًا وتركت فريقًا؟!

ولا جواب عنده، لأن اختياره كان تابعًا لهواه لا أكثر .. وأسئلتنا هدفها إظهار ظلمه وحكمه بالهوى .. حتى إذا استبان هذا عنده وعند المشاهدين، قلنا: أما بعد ظهور حاله، وانعدام حجته على دعواه، وهذا يكفي في سقوطها، نتبرع ببيان بطلان خبره ... الخ

وهكذا الحال لو احتج الخصم بقول لبعض المفسرين .. فبعض المجادلين (في مقام الحوار) يسارع إلى تبيين خطأ ما احتج به الخصم، ورجحان غيره عليه .. وهذا تبرع وإحسان مرجوح في هذا المقام .. بل الراجح هنا أن نشح بما عندنا حتى يظهر حال خصمنا ..

فنقول له: ما احتججت به قول لأحد المفسرين، وقال آخرون غيره .. فلماذا اخترت هذا وتركت ذاك؟!

والجواب الحقيقي عنده هو: اخترت هذا لأنه وافق هواي في المسألة! .. ولأنه لن يستطيع التصريح به، سيظل يراوغ يمينًا ويسارًا بأجوبة متهافتة، والمسلم يردها واحدًا بعد الآخر، ويظل يحرجه بالمطالبة بسبب الاختيار، فيتثبت لدى المشاهدين والخصم قبلهم أنه ظالم يحكم بالهوى والتشهي.

هذا مكسب لا ينبغي أن نفلته، قبل أن ننتقل إلى مكسب غيره بالتبرع ببيان الباطل.

وهذا الأسلوب استفدته من كتابات ابن تيمية رحمه الله ..

وعادته رحمه الله أنه لا يكتفي أن يضع أجوبة عن المسائل، بل يبين للمسلمين ويعلمهم طريقة الحوار .. بعبارة أخرى: هو لا يكتفي بأن يعطيك السمكة، بل يعلمك كيف تصطاد. رحمه الله رحمة واسعة.

فتراه في كتبه، كمنهاج السنة، يطالب الخصم بتبيين صحة الخبر، ويجعل ذلك وجهًا مستقلاً في الرد، مع أنه يعلم بطلان الخبر، لكنه ينبه رحمه الله على المكسب الذي بيناه هنا .. ثم في الوجه الثاني يبين حال الخبر من الضعف وما شابه.

ولا أقصد أنه كان رحمه الله ينبه فقط بالطريقة العملية، كلا، بل له كلام كثير يصرح فيه بأن الجدال مع المخالف هنا ينبغي أن يكون بطريقة كذا وكذا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير