تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والثاني هو موقف القرآن نفسه من مسألة الكتابة ونظرية التحريف والتزييف التي يمكن أن يرد إليها سعي النقد التاريخي للنصوص الدينية في الفكر الديني الغربي الحديث والتي كان القرآن قد اعتمدها هو نفسه في تحديد صلته بالنصوص المتقدمة عليه ليحرر الفكر الديني منها. ومن ثم فهو قد نبه المسلمين للتحرز مما يمكن أن يساعد على التحريف والتزييف. وبهذا المعنى يمكن أن نكتشف بالتحليل العقلي لهذين الأمرين ما بمقتضاه يصبح الإشكال المبحوث في هذا الجدل مردودا إلى الدجل العلماني الذي يقيس النصوص بعضها على البعض دون اعتبار الفارق.

ويمكن لأي مؤمن بالقرآن ومدرك لشروط المعرفة التاريخية العلمية أن يثبت أن هذا القياس مبني على تعميمات بدائية هي من جنس ما وصفه أرسطو عند تمييزه بين الكلي بمعناه العلمي والكلي بالمعنى العامي.

وإليك بعض الحجج التي تلغي المشكل من أصله لأنها ترد القياس الذي تستند إليه.

الحجج التي تلغي المشكل من أصله يمكن أن نحسم قضية جوهرية ذات صلة بما يميز القرآن نفسه وبأفعال الأمة في لحظة التأسيس فيحررنا من المقارنات المتسرعة بين النصوص الدينية. وقبل ذلك كله لا بد من الإشارة إلى قولة حكيمة سبق لهيجل أن قالها في حق الشكاكين: إنهم يشكون في كل شيء عدا الشك نفسه. لذلك فشكهم ليس شكا ذا تبرير علمي لكونه أصبح موقفا مبدئيا خارج مجال البحث فضلا عن كونه لا يعين علل الشك ومن ثم فهو لا يستطيع الحسم في الأمر من الأصل ما يجعل المسألة نفسها تصبح لاغية. والشك العلمي لا يكون ذا معنى إلا إذا كان مبررا ومحددا لعين المشكوك فيه كما هو بين عند كل من يدرك معنى العلم ما هو ومعايير التمييز بين شك العلماء وشك الشكاكين كما بين بيرس. والمعلوم أن نزعة الشكاكين آلت ببعض الموتورين إلى حد جعل القرآن ابن عصر التدوين اللاحق مثله مثل الحديث بل وحتى إلى الشك في وجود النبي نفسه. ومن ثم فلا بد من أن يكون الشك منزلا في سياق معين مع تعيين المسألة التي هي موضوع بحث وفي حدود العلاج الممكن وبمعايير المعلومية التي هي دائما محدودة لكونها هي بدورها تاريخية.

فإذا كانت المسألة تاريخية وكانت الدقة في المعرفة التاريخية ذات حدود معينة أصبح الموقف الشكاكي المبدئي رافضا للمعرفة التاريخية من أصلها ومن ثم فلا كلام مع هذا النوع من الباحثين. وإذا نزلنا المسألة في سياق المعرفة التاريخية بات من الواجب أن نميز بين الحالات. فحالة القرآن تاريخيا مختلفة تمام الاختلاف عن حالة الكتابين المنزلين الآخرين وذلك خاصة بسبب موقف القرآن من نفس هذه الإشكالية المتعلقة بصحة النصوص. وتحديد السياق سيبين أن كل المشكل الذي يطرحه بعض المشككين في صحة القرآن كله أو بعضه سببه أمران كلاهما ليس لهم عليه دليل:

أولهما هو هذا القياس.

والثاني هو تصور المسلمين بعد نزول القرآن قد بقوا على الحال التي كانت عليها العرب في الجاهلية: بغير نظام أو تخطيط وتناسق بين النظر والعمل رغم أن النظر تقدم في الثورة القرآنية على العمل بنصف المدة النبوية!

فها أنت أمام نص أهم نقد يوجهه لأهل الكتاب هو التحريف وأهم أمر لتنظيم شؤون الحياة يوجهه إلى المسلمين هو كتابة أي شي في المعاملات مهما كان تافها. ومع ذلك تجد من يشكك في أن القرآن كان يكتب بالتوازي مع النزول زاعمين أنه كان موجودا في صدور الرجال فقط وذلك لخلطهم بين عملية توحيد نسخ القرآن المتأخرة لتخليصها من الخلافات الطفيفة في بعض الآيات نطقا أو كتابة (تقريبية لما نعلم من الحال التي كانت عليها وما طرأ عليها من تطوير لاحقا من أجل تدقيق كتابة القرآن وقراءته كالإعجام) أو حتى ترتيبا بمقتضى القراءة من غير الكتاب المدون الخلط بينها وبين كتابة القرآن التي هي موازية لنزوله.

والغريب أن هؤلاء المشككين يزعمون أن المسلمين حاكوا أهل الكتاب في كل شيء إلا في هذه: كان كتاب اليهود والمسيحيين مكتوبا ومحفوظا لكن المسلمين شذوا عن ذلك واكتفوا بالذاكرة دون الكتابة!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير