تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

صحيح أنه قال لمستمعيه فى موعظة الجبل هذا الكلام العظيم الذى أورده متى فى الإصحاح الخامس من إنجيله: "43"سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، 45لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. 46لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ 47وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ 48فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ". ولكن فلننتظر حتى نرى إلى أى مدى طبَّق هو تلك النصائح الذهبية. لقد لعن سنسفيل اليهود وسنسفيل آبائهم، وتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، وهددهم بمصير أسود من قرن الخروب فى الدنيا والآخرة، داعيا إياهم بـ"الحيات أولاد الأفاعى"، ورفض كل ما كانوا يفعلونه حتى غسل أيديهم قبل الطعام مفضلا الأكل دون أن يطهر يديه لا لشىء إلا العناد ونشوفة الدماغ، وتوعَّدهم بمصائب الدنيا والدين قبل انصرام وقت طويل.

ولا يظنن أحد أن نفاد صبره وطول لسانه إنما كانا مقصورين على اليهود، إذ لم يسلم أقرب المقربين إليه من بركات لسانه الذى كان يشبه الكرباج، فقد نادى أمه قائلا لها بكل غلظة وجلافة: "ما لى وما لك يا امرأة؟ "، كما نفى أن تكون هى وإخوته هم أمه وإخوته فعلا، مؤكدا أن أمه وإخوته الحقيقيين هم الذين يلتفون حوله ويسمعون كلامه، بما يفيد أنها وأنهم لم يكونوا من هؤلاء. وقال لأخلص حوارييه: يا منافق! يا شيطان! ونهر الفقراء الذين كانوا يريدون أن يصنع لهم المعجزات قائلا: جيل فاسق وشرير يطلب آية! أما المرأة الكنعانية المسكينة التى أرادت أن تستفيد بقدرته على الشفاء فقد قهرها وأذلها ولم يقبل رجاءها إلا بعدما رضيت أن تكون كالكلاب التى تلتقط فتات الطعام من تحت المائدة، قائلةً هذا بصريح العبارة فى انكسار ومسكنة تقطع القلوب. فحينئذ، وحينئذ فقط، رضى أن تنضم إلى زمرة المستفيدين من قدرته على الشفاء: "21ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. 22وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً: «ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». 23فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» 24فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ». 25فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» 26فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب». 27فَقَالَتْ: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!». 28حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ" (متى/ 15). فما معنى أنه نزل لفداء البشرية جميعا إذن؟ لقد رأينا أنه لم يكن راضيا لا عن اليهود ولا عن غير اليهود، فمن هم الذين نزل ليُصْلَب ويُقْتَل فى سبيلهم إذن؟ وإذا كان هذا هو الحب، فكيف تكون الكراهية يا ترى؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير