تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وماذا عن محمد؟ ".

وهو بإشارته إلى سُورَة "آل عمران" إنما يقصد قوله تعالى عن امرأة عمران (أم مريم عليها السلام) حين وضعتْ مريم وإعاذتها إياها هى وذريتها من الشيطان الرجيم: "فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" (آل عمران/ 36)، أما سورة "مريم" فلم أجد فيها شيئا يتعلق بالموضوع الذى نحن بإزائه. وبالنسبة لما جاء فى "آل عمران" فليس فيه سوى أن زوجة عمران قد استعاذت لابنتها وذريتها بالله من الشيطان الرجيم، وهو ما يفعله كل مؤمن لنفسه ولأولاده. وفى تفسير الرازى: "روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من استعاذ في اليوم عشر مرات وَكّل الله تعالى به مَلَكًا يَذُود عنه الشيطان". وفى "سنن أبى داود" عن ابن عمر أن رسول الله قال: "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطُوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه. فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تَرَوْا أنكم قد كافأتموه". فليس فى الآية فى حد ذاتها إذن ما يدل على أن عيسى عليه السلام كان ممسوحا وحده من الأوزار دون الأنبياء والمرسلين، وإن كنا نؤمن أنهم جميعا، عليهم الصلاة السلام، كانوا من خيرة صفوة البشر، وكانت أخلاقهم من السمو والرفعة بحيث تتلاءم والمهمة الجليلة التى انتدبهم الله لها من بين سائر البشر.

ومع هذا فهناك مثلا، فى مسند ابن حنبل، حديث عن النبى عليه السلام رواه أبو هريرة يقول فيه: "ما من مولود يُولَد إلا نخسه الشيطان فيستهلُّ صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه. ثم قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: وإنى أُعِيذُها بك وذريتها من الشيطان الرجيم". وفى "سنن الدارمى" عن ابن عباس أنه قال: " ليس من مولود إلا يستهلّ، واستهلاله يعصر الشيطان بطنه، فيصيح إلا عيسى ابن مريم". وليس فيه، كما هو واضح، أية إشارة إلى مسحه عليه السلام من الأوزار والخطايا، بل الكلام فيه عن نخسة الشيطان التى يبكى الطفل بسببها عند الولادة أول ما يستقبل الحياة والتى يقول الأطباء إن سببها هو استنشاقه لأول مرة الهواء استنشاقا مباشرا، فهو رد فعل بيولوجى لا مَعْدَى عنه لأى طفل. لكنْ لأن ولادة عيسى كانت ولادة غير طبيعية فلربما كان ذلك هو السبب فى أنه لم يصرخ عند نزوله من بطن أمه كما يصنع سائر الأطفال.

وأغلب الظن أن النبى عليه الصلاة والسلام قد أراد بذلك الحديث أن يدفع عن أخيه الصغير عيسى وأمه من طَرْفٍ خَفِىٍّ قالةَ السوء والشُّنْع التى بهتهما بها اليهود الأرجاس. إذن فليس فى القرآن ولا فى الحديث أن سيدنا عيسى عليه السلام كان ممسوحا من الأوزار والخطايا وحده دون النبيين والمرسلين أجمعين، وإن لم يَعْنِ هذا أنه كان ذا أوزار وخطايا، إذ الأنبياء والرسل كلهم هم من ذؤابة البشر خُلُقًا وفضلاً وسلوكًا لا عيسى وحده. ومع ذلك فقد قرأنا فى حديث الشفاعة العظمى كلام الرسول الأعظم عن غفران الله له هو كل ذنوبه: ما تقدم منها وما تأخر، وهو ما استحق به وبغيره تلك المرتبة العالية، وإن لم يعن هذا أيضا أنه، صلى الله عليه وسلم، كانت له ذنوب تُذْكَر، وإلا ما قال الله فيه: "وإنك لعلى خُلُقٍ عظيمٍ" أو "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنِتّم، حريصٌ عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم" أو "إن الله وملائكته يصلّون على النبى. يا أيها الذين آمنوا، صَلُّوا عليه وسلِّموا تسليما". وقد أورد الرازى الذى يستشهد به زكريا بطرس الحديثَ التالى: "ما منكم أحد إلا وله شيطان. قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأَسْلَم". وأظن أن هذا الحديث يضع حدا للجدال السخيف الذى فتح بابَه ذلك الكذاب!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير