تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بـ"تأليه" الرسول. صحيح أنه عليه السلام "رجل يمشي في الأسواق مثلنا ويأكل، وله كل المواصفات البشرية" كما جاء في كلام الدكتور لكنه في ذات الوقت ليس بشرًا عاديًّا، بل هو نبي يوحَى إليه، وأخلاقه من السمو بحيث لا يدانيه غيره من البشر، وهو ما كنت أحب أن يضيفه د. صديق إلى كلامِه السابق حتى يكتمل المعنى. وفي القرآن الكريم أَمْرٌ للنبي بأن يقول: "إنما أناَ بَشرٌ مثلكم يُوحَى إلىّ"، وفيه أيضا: "وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم" ... إلخ، فكان ينبغي ألا يغفل الأستاذ الدكتور في كلامه ذلك البعد الذي يميز الرسول، رغم بشريته، عن سائر الخلق.

كذلك ترددت في حديث د. صديق الإشارة إلى "مصادر" القرآن ومراجعه"، فما الذي يقصده الدكتور بهذا؟ إن للقرآن مصدرًا واحدًا ليس غير هو الوحي الإلهي، أما الحديث عن "مصادر" و"مراجع" كما لو كنا بصدد دراسة تقدم بها أحد الباحثين ويتذرع لها بما يستطيع أن يضع يده عليه من الكتب السابقة فهو كلام لا يليق بمسلم أن يقوله. ولصاحب هذه السطور كتاب في هذا الموضوع عنوانه "مصدر القرآن" رددت فيه بتفصيل شديد على النظريات الاستشراقية و التبشيرية السخيفة التي تحاول إرجاع القرآن إلى مصادر بشرية. فالقول بأن للقرآن "مصادر ومراجع" هو فرية استشراقية معروفة أساسها قول مشركي مكة عن الرسول عليه السلام: "إنما يعلمه بشر"، وإن القرآن الكريم هو"أساطير الأولين اكتتبها، فهي تُمْلَى عليه بكرة وأصيلا". وها هي ذى تطالعنا بوجهها القبيح في كلام لأحد المنتسبين للإسلام. ولخليل عبد الكريم كتاب كامل فى هذاالموضوع هو "جذور الشريعة الإسلامية" نقل فكرته وكثيرا من تفاصيله من بعض الكتب التبشيرية التى تعزف نفس النغمة المسئمة، مما أشرت إليه من قبل فى هذه الدراسة.

ويمكن لمن أراد من القراء أن يعود إلى كتابى: "المستشرقون والقرآن"، الذى صدر للمرة الأولى سنة 1984م، والذى كنت كتبته قبل ذلك بسنتين أو أكثر قبل أن أعود من بريطانيا، ليجد إشارت متكررة فى مواضع متفرقة منه إلى هذا الرأى الاستشراقى وردى عليه. بل إن بعضهم، حسبما سبق القول، قد أعاد ترتيب سور القرآن لدن ترجمته لكتاب الله كريتشارد بل وم. رودويل ون. ج. داود. كما جرى على هذه الخطة المستشرق ريجى بلاشير عند إصداره ترجمته الفرنسية للقرآن للمرة الأولى، وإن كان قد عاد فالتزم الترتيب المصحفى فى الطبعات التالية. لكننا للأسف نراه فى بعض الأحيان يعبث بالنص القرآنى الكريم فيقدّم، إلى جانب الترتيب الموجود فى مصاحفنا، ترتيبا لبعض الايات يختلف عن الترتيب الذى تتبعه تلك المصاحف. ومن يرجع إلى طبعة هذا العام من " Encyclopaedia Universalis: الموسوعة اليونيفرسالية" يجد كاتب المادة الخاصة بالرسول عليه الصلاة والسلام، وهو المستشرق الفرنسى اليهودى الماركسى مكسيم رودنسون، يردد هذا القول المتهافت زاعما أن القرآن نص مضطرب النظام لا يصح الاعتماد عليه فى التوصل إلى ترجمة موثوق بها للرسول عليه السلام، وهذا نص ما قاله، والضمير فيه عائد على القرآن: " Mais son texte est en grand désordre. On ne peut y rétablir qu'avec peine et avec bien des incertitudes l'ordre chronologique. Les événements de la biographie du Prophète n'y sont évoqués que de façon allusive. C'est donc une source difficile à utiliser".

ولنعد إلى فكرة القمنى المحورية فى كتاب "الحزب الهاشمى"، وهى أن نبوة محمد إنما هى تحقيق لمطامح عشيرته من قديم الأجيال، وبالذات منذ أيام هاشم وعبد المطلب. يقول كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية"، الذى يحمل على غلافه اسم أبكار السقاف، عن الصراع بين قريش ومحمد فى العهد المكى وشكاواهم المتكررة إلى أبى طالب من ابن أخيه: "وقدح عمل الوجدان شرر الذاكرة فعملت من أبى طالب المخيلة وراحت تستعرض الماضى والحاضر، وفى امتداد راحت تطوى الحاضر وترتاد آفاق المستقبل الذى قد التمعت منه البوارق خلال تلك الخلوة التى خلا فيها إلى محمد وأصغى إلى حديث أدرك من ورائه أن التاريخ السياسى للعرب يتجه اتجاهًا لا فحسب جديدًا بل مغايرًا، وأن أمره إنما أمرٌ هو فى بيت هاشم وبيت عبد المطلب محصور! ومن ثم هب أبو طالب يجمع بيت هاشم وبني المطلب ويفضى إليهم بأمر ابن أخيه وابن أخيهم طالبًا إليهم، وهم فرع عبد مناف،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير