تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أن يمنعوا محمدًا من فرع عبد الدار، ثم، وهم بيت هاشم، أن يمنعوه من بيت عبد شمس. فاستجابوا له جميعًا باستثناء عبد العزى بن عبد المطلب استجابةً هم فيها ولا ريب كانوا متأثرين بالعصبية القومية وبالخصومة القديمة بين فرعي عبد الدار وعبد مناف وبالمنافسة الجديدة بين بيت هاشم وبيت عبد شمس، مما جعلهم يرون حقا لابن أخيهم أن يعلن الناس برأيه. وهكذا اعتصم محمد ببيته من هاشم وبعمومته من أبناء عبد المطلب، لا فحسب من فرع عبد الدار وبيت عبد شمس، وإنما من سائر قريش!

ولكن كانت هذه "المنعة" الهاشمية لمحمد إلهابًا لجذوة الخصومة بين بنى العمومة، فمن حول نفسها أخذت سائر الفروع والبيوت القريشية تستدير حلقات ليتعقد منها الرأى عند القول بأن فى انتصار هذا الفرد من عبد مناف انتصارا لفرع عبد مناف على عبد الدار، وبالتالى انتصارًا لبيت هاشم على بيت عبد شمس. وفى هذا ما فيه من الخطورة على ما لهذه الفروع والبيوت من قريش من مكانة اجتماعية وسياسية، ومن ثم بدأت للقضاء على ما فى هذه الدعوة من المبادئ السياسية والاجتماعية ألوان من الاضطهاد تنزلها قريش بمن لديها من الإماء والعبيد ممن كَلِفُوا بالوعد المحمدى كَلَفًا أخرجهم من طاعة قريش إلى طاعة محمد. وازداد بنو هاشم والمطلب، وإن كانوا لمحمد فى دعوته الدينية لا يؤازرون، منعا لمحمد وللأذى عن الموالى والعبيد من أتباعه دفعًا دفع حمزة بن عبد المطلب إلى أن يعلن اتّباعه محمدًا ومعاهدته على نصرته والتضحية فى سبيل أمره". إنها نفس الفكرة المحورية فى "الحزب الهاشمى"، وإن كان لا بد من أن نأخذ فى الاعتبار المدى الزمنى بين كتابة الكتابين، والفرق بين شخصية أبكار السقاف وشخصية القمنى، فضلا عن تغير الظروف الدولية فى وقتنا الحاضر عما كانت عليه فى الوقت الذى تم فيه تحبير كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية".

ولنقرأ فى ذات الكتاب، ولكن فى موضع آخر: "بمنعة أبي طالب لمحمد وبانتصاره له وإيمانه بدعوته السياسية رغم عدم إيمانه بدعوته الدينية بدأ مظهر النزاع القديم بين هذين الفرعين من قُصَيّ يتخذ دوره الإيجابى مسفرًا عن اشتداد إخلاد قريش إلى عقيدتها بأنّ هذه الدعوة التى يطلع بها عليها محمد ليست فى مداها الحقيقي إلا دعوة سياسية لجأت فى تدعيم كلمتها إلى "الوحي"، واتخذت الدين الحنيف وسيلة إلى غاية تنحصر فى إحراز سلطة مطلقة عن طريق وحدة سياسية تأتي للعرب بإمبراطورية كتلك التى للفرس وكتلك التى للرومان، بل تهدف إلى أن تقيم القوائم من سلطانها على أنقاض هاتين الإمبراطوريتين كما كان قد أعلن هذا الهدف لمحمد نداء ما زال يتردد مجلجلا: اتبعونى. والذى نفس بيده لتملكنّ كنوز كسرى وقيصر!

لا جدل فى أنه مذ ثوى قُصَيٍّ، والتطاحن على سيادة العرب سِجَالٌ بين فرعي قريش وعَوَانٌ، ولكنه ما اشتد قَطُّ اشتداده فى هذا العهد. كلا وما عمل كلا الفرعين إلى الإمارة وإليها جَدَّ جِدُّهما مثل هذا العهد. ولذلك فإن قريشًا، إذ تقف مقتنعة بأنّ محمدًا إنما سياسي اتخذ "الوحي" طريقًا للاعتراف بما يضمن له كامل السلطة ومطلق السلطان وأنه ليس إلا مفتريًا اتخذ اللَّه إلى هدفه وسيلة واتخذ الدين الحينفى مسندًا إليه فى دعوته يستند ليكفل لكلمته إصغاء، فليس إلا بوحي من أحداث العصر كانت قريش قد كونت عن محمد هذه الفكرة التى تحولت فى صدرها إلى يقين غداة استجابت لمحمدٍ هاشمٌ، مما كان السبب فى شد أزر الدعوة المحمدية وتثبيتها والخروج بها من الدور الإعدادى إلى الدور العملي الذى اتخذ مظهر النزاع السافر بين الفريقين، والذى ما لبث بدوره أن تطور إلى مظهر التحدي حتى كاد يندلع شرر الحرب بين الفرعين".

ولمزيد من المعلومات حول أبكار السقاف أسوق للقارئ العزيز ما قرأته فى بعض المواقع المشباكية لمحمد جلال القصاص من أن كتابها: "نحو آفاق أوسع" (وهو الكتاب الذى يعد كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية" أحد أجزائه) قد "صدر عام 1945م، وحدثت "دوشة" كبيرة حول الكتاب انتهت بمصادرته عام 1946م. لا حظ أنّ الكتاب تم مصادرته في فترة لم يكن ظهرت فيها ما يسمونه بـ"الأصولية الإسلامية" ... وأبكار السقاف من المعاصرين ومن المعمَّرين (1913م- 1989م)، ولا يعرف عنها التاريخ سوى أنها إحدى الحسناوات ربيبة القصور وزوجة الأمراء والأثرياء. وقد أجهد نفسه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير