تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من يترجم لكتب شىء عنها فلم يجد سوى التعجب من أن تهمل هذه الحسناء بنت الأثرياء. أقول: وهذا حالها، فقد صدر كتابها: "نحو آفاق أوسع" في عام 1945م، وكان عمرها اثنين وثلاثين عاما، والكتاب موسوعة ضخمة في أربعة مجلدات، ويشبه التحقيق الكبير. كيف أخرجته هذه الصبية الجميلة، وكانت قد تزوجت (أو خُطِبَتْ) وطُلِّقَتْ (أو انفصلت) من أمير برقة، ثم تزوجت ومات زوجها، ثم لم تخرج بعده عملا في نفس قيمته مع أنّها عُمِّرَتْ وتفرغت بعد ذلك؟ وإذا وضعنا في الحسبان أنّ هذه الفترة كان النصارى مشغولون فيها بإعادة قراءة التاريخ الإسلامي من جديد، وإخراج كوادر "إسلامية متنورة"، وهي ذات الفترة التي خرجت فيها "دائرة المعارف الإسلامية"، ألا يدل كل ذلك على أنّ هذه الفتاة كُتِب لها أو أُعِدَّتْ لها الأفكار والمفاهيم، وهي صاغتها؟ مجرد تساؤل لا أجد صعوبة في الإجابة عليه بالإثبات. وإنْ حَلَفَ غيري لا أظن أنّه يحنث".

قلنا إن عددا من الأفكار فى الكتاب الذى يحمل اسم القمنى وذلك الذى يحمل اسم أبكار السقاف واحدة، كما أن القمنى يباهى بأنه تلميذ لتلك الكاتبة، التى رأينا أن كتبها المطروحة هذه الأيام بوفرة واهتمام قد صودرت حين نشرت لأول مرة، وهو كلام له مغزاه، وبخاصة حين يقرأ الإنسان كتابها عن الدين فى بلاد العرب فيلفيها تتكلم عن الإسلام والقرآن ومحمد فى الغالب بكلام يحتمل معنيين: المعنى الأول أن يكون القرآن من عند محمد، استقى ما فيه من لقاءاته بالرهبان وأهل الكتاب الذين قابلهم هنا وهناك فى رحلاته التجارية إلى اليمن والشام، تلك اللقاءات التى تقرر أنها أثرت فى شخصية محمد، فهى كثيرا ما تقول مثلا: "وانطلق لسان محمد يقول كذا وكذا"، أو "استرسل من محمد الكَلِم يقول كذا"، أو "راح الصوت المحمدي يتجه نغما هادئا ينادي بكذا"، أو "أتت الإجابة من شفتي محمد بأنّ اللَّه له يقول كذا"، أو "جاءت الوعود من شفتى محمد بكذا"، أو "ارتفع الصوت من محمد ينادى بكذا"، أو "جاوب الجانبُ المحمديّ مرددًا كذا"، أو "يقول محمد بأنّ اللَّه عن الأمر الفلانى يقول كذا"، بدلا من أن تقول إن الوحى قد نزل عليه بالآية الفلانية أو السورة العلانية. وهو أسلوب من القول درج على شىء شبيه به عبد الرحمن الشرقاوى فى كتابه: "محمد رسول الحرية". وأما المعنى الثانى لكلام السقاف أو من كتب مستخدما اسمها، وإن لم يكن بنفس قوة المعنى الأول، فهو أن القرآن وحى من السماء. ويساعد على هذه الحيرة بين المعنيين أن الأسلوب الذى صيغ به الكتاب أسلوب متكلف عَسِر لا تتضوع فيه أنفاس البيان العربى، وفيه من العجمة شىء ليس بالقليل.

ومما يحيرنى كذلك فى أمر السقاف أن بعض كتبها الأخرى ككتابها: "إسرائيل وعقيدة الأرض الموعودة" وكتابها: "الحلاج أو صوت الضمير" مثلا قد صيغت بأسلوب مباشر يختلف تماما عن هذا الأسلوب: فلا تكلف ولا عجمة ولا تقديم لما حقه التقديم ولا تأخير لما حقه التقديم، ولا عبارة مثل: "لا ثمة شك" المتحذلقة التى لم أجد لها نظيرا فيما يكتب الكتّاب والكاتبات. هل هناك أكثر من يد وراء تلك الكتب السقّافية؟ مجرد سؤال. هل تلك الكتب قد صاغتها فعلا يد أبكار السقاف، التى تمسك وهى فى مجالس الرجال بالسيجارة بدلال ولا دلال فاتنات السينما، وقد ارتدت ملابس تكشف عن صدرها وكتفيها وزنديها وذراعيها وساقيها وتركت شعرها الوَحْف دون أن تستره ولو بإيشارب حسبما تخبرنا صورتها المنتشرة على المشباك؟

ويؤكد أيضا التشابه الكبير فى الأفكار الرئيسية بين الكتاب الذى يحمل اسم السقاف ونظيره الذى يحمل اسم القمنى ما نقرؤه عند السقاف مثلا عن عبد المطلب: "ليس بالجديد أن نقول إنّ عبد المطلب كان من حكام قريش وأشرافها وساداتها، لكن الجديد أن نكتشف ما قد كان لعبد المطلب من سجايا مطمورة فى تربة التاريخ وأن نراه يقف فى العصر القريشي مثلا رائعا للتوحيد الصافى والخالص النقي من وصمة اتخاذ الوسطاء على الله والتشفع بهم إليه ليسجل تنبُّه الوعى تماما فى هذه الفترة إلى ما إليه كان قد انصرف القلب قديما من دينٍ صاحَبَه الاعتقاد بأن به قد هبط إبراهيم الوادى وأورثه لإسماعيل غداة تَرَكَه بين جُرْهُم يصحر معهم فى الصحراء. يقينا إنّ من الجديد أنْ نعلم أنّ عبد المطلب هو أوّل داعية رفض التوجه فى العبادة على "الوسطاء"

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير