تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والتمسح بأصنامهم أو تماثيلهم بغية التشفع بهم إلى الله! ومن الجديد أن نعلم أنّ عبد المطلب وحّد الله توحيدًا خالصًا رفض به إلاّ التوجّه إليه بالسؤال. فهو بينما يقوم صورة بارزة للقيم الأخلاقية محرمًا الخمر والفسق وآمرًا بترك البغى والظلم وموصيًا بالوفاء بالعهد وناهيًا عن نكاح المحارم وعن الوأد ومتبعًا التقاليد العربية فى قطع السارق وحاثًّا على مكارم الأخلاق ومحذرًا من يوم حساب عنه يطلق القول مقسمًا: "والله إن وراء هذه الدار دارًا يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب فيها المسىء بسيئاته" فإنما يقوم معلنًا أنه يعبد الله على شريعة الحنيفية ويتبع دين إبراهيم وإسماعيل، وأنه يتخذ مكانًا لهذا التعبد "حراء". فقد كان عبد المطلب إذا أهل شهر رمضان صعد إلى حراء يتحنّث ويتعبّد ليعود فيُودِع التبشير بهذا الدين فى مسمع من حوله من أبنائه من بهم كان قد اشتد ساعده، ومن عنهم كان يتحدث قائلا: "إذا أحب الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء! ". للحظة أخرى يتمهل الفكر هنا ويسبح مستوعبًا المعنى من هذا الصوت الذى لا بد أن يكون قد رنَّ فى وعى محمد صبيًّا وهو فى حجر عبد المطلب نشأ، وفى كنفه تربى، ليعود الفكر من هذا السبح مُوقِنًا بأن فى نفس محمد كان حتمًا أن يترك رنينُ هذا الصوت انطباعاته التى بوضوح بعد قد تجلت غداة أنشأ محمد "بالنبوة" دولة! ".

فهذا الكلام يماثل قول القمنى فى "الحزب الهاشمى": "إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء: قالها عبد المطلب بن هاشم، وهو يشير إلى أبنائه وحفدته، فبرغم التفكك القبلي في بيئة البداوة التي عاشتها جزيرة العرب، فإن هناك من استطاع أن يقرأ الظروف الموضوعية لمدينة مكة بوجه خاص، وأن يخرج من قراءته برؤية واضحة هي إمكان قيام وحدة سياسية بين عرب الجزيرة تكون نواتها ومركزها مكة تحديدا برغم واقع الجزيرة آنذاك ... وإزاء كل هذه العوائق الواضحة والمحبطات السافرة للحلم وللأمل وللتوقع لم يجد الآخرون سوى الاهتداء إلى أنه لا حل سوى أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبيا مثل داود. وعندما وصلوا إلى هذا فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب حتى اشتد الإرهاص بالنبي المنتظر خلال فترة وجيزة،. وآمن هؤلاء بذلك، وأخذوا يسعون للتوطئة للعظيم الآتي، وإن ظلت المشاعر القبلية داخل النفوس التي تهفو للوحدة، وظن كل منهم أن الآتي سيكون منهم، مثل أمية بن عبد الله الثقفي الذي راودته نفسه بالنبوة و الملك، فقام ينادي:

ألا نبي منا فيخبرنا * ما بعد غايتنا في رأس مَحْيانا؟

لكن العجيب فعلا ألا يمضي من السنين غير قليل حتى تقوم في جزيرة العرب دولة واحدة بل دولة قوية ومقتدرة تطوي تحت جناحيها، وفي زمن قياسي، ممالك الروم و العجم بعد أن أعلن حفيد عبد المطلب بن هاشم: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أنه النبي المنتظر ... ويبدو أن أخطر شأن في هذه الملة وفي أمر عبد المطلب جميعه هو إدراكه للنسب وخطورته بين الأعراب بحسبانه العامل الجوهري في تفككهم السياسي لاعتزاز كل قبيلة بنسبها القبلي والذي ظل مستبطنا في بطن التحول الجديد للبنية الاجتماعية المكية. ومن هنا كان إعلانه أن العرب جميعا، وقريش خصوصا، يعودون بجذورهم إلى نسب واحد. فهم، برغم تحزبهم و تفرقهم، أبناء لإسماعيل بن إبراهيم. لذلك، ولأنه ينتمي إلى هذه السلالة الشريفة، فقد أعلن في الناس تبرؤه من أرجاس الجاهلية وعودته إلى دين جده إبراهيم. ودين إبراهيم هو الفطرة الحنيفية التي ترفض أي توسط بين العبد والرب. فإذ أهل رمضان صعد إلى غار حراء متحنفا، ثم عاد ينادي قومه أنه قد حرم على نفسه الخمر وكل ضروب الفسق، حاثا على مكارم الأخلاق، داعيا الناس لاتباعه، مؤمنا بالبعث والحساب والخلود، هاتفا: "والله إن وراء هذه الدار دارا يجزي فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب فيها المسيء بسيئاته"، ثم لا يلبث أن يبشر قومه بقرب قيام الوحدة السياسية، فيشير إلى أبنائه وحفدته الذين أصبحوا له عزوة وشد أزر ويقول: "إذا أحب الله إنشاء دولة، خلق لها أمثال هؤلاء"، أولئك الأبناء الذين كاد يقدم أحدهم ذبيحا ابنه عبد الله أب النبي عليه السلام كما كاد يفعل جده البعيد إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل عليه السلام. وفي أمر عبد المطلب يقول المسعودي: "تنازع الناس في عبد المطلب، فمنهم من رأى أنه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير