تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان مؤمنا موحدا، وأنه لم يشرك بالله عز وجل. وكان عبد المطلب يوصي بصلة الأرحام وإطعام الطعام ويرغبهم ويرهبهم، فِعْل من يراعي في المتعقب معادا وبعثا ونشورا".

كذلك وقفت السقاف عند عبد المطلب وزيد بن عمرو بن نفيل وأمية بوصفهم حنفاء، وعلى هذا الترتيب الذى تناولهم به القمنى أيضا، وإن كان القمنى قد تناول حنفاء آخرين، إلا أنه أبقى الكلام عن هؤلاء الثلاثة إلى النهاية وساقهم بهذا الترتيب، وأرود لهم كثيرا من النصوص التى أوردها كتاب السقاف، وأبرز أهيمتهم بنفس الطريقة التى نجدها عندها، أو بالأحرى: فى الكتاب الذى يحمل اسمها. والملاحظ أيضا أن احتفاء الاثنين بأمية بن أبى الصلت وتمجيده كبير حتى إنهما ليركزان كثيرا على "طهره" و"تطهره"، فضلا عن إيرادهما أشعاره المشبهة لما فى القرآن بوصفها أشعارا صحيحة مع ما هو مشهور بين العلماء من أنها منحولة عليه. وقد زاد القمنى فعزا، عن طريق التدليس، القول بصحتها إلى د. جواد على، الذى قال عكس هذا تماما. إلا أن القمنى حذف من كلام الباحث العراقى سطورا كثيرة ثم لحم النص بطريقة توحى بأن جواد على يقول ما قاله هو من أن شعر أمية المشابه للقرآن هو شعر صحيح، وأن الرسول والقرآن من ثم مدينان له. وقد فصلنا القول فى ذلك تفصيلا فى المقال المسمى: "اعتزال سيد القمنى".

ولكن هل كتاب أبكار السقاف هو مصدر العبارة المنسوبة إلى عبد المطلب، تلك التى يباهى فيها ذلك الشيخُ الجليلُ بأبنائه وأحفاده ويؤكد أن أمثالهم أحرياء أن ينشئوا الدول؟ كلا ثم كلا ثم كلا. إنما هو فى أحسن أوضاعه مرجع وسيط. ولكن صاحبته للأسف لم تذكر المصدر الذى أُخِذَتْ منه هذه المعلومة، بل أوردت اسم مرجع وسيط آخر، ثم زادت الطين بلة فلم تحدد مكان الطبع ولا تاريخ الطبعة أو رقم الصفحة، مكتفيةً بالقول بأنه كتاب "قصة الأدب فى الحجاز فى العصر الجاهلى" من تأليف خفاجى والجيار. وهو أمر يبعث على القهقهة، إذ الصواب أنه من تأليف د. محمد عبد المنعم خفاجى وعبد الله عبد الجبار، فانظر الفرق بين الأمرين كى تدرك مدى الاضطراب الذى أحاط بالكاتبة حتى إنها لا تعرف الفرق بن عبد الجبار والجيار ولا تفكر فى تحديد الطبعة ورقم الصفحة فى كتاب يبلغ عدد صفحاته زهاء السبعمائة.

وقد أرهقنى الأمر قبل أن أنجح فى الوصول إلى موضع الاقتباس، وهو الصفحة رقم 306 من طبعة مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة عام 1400هـ- 1980م لأفاجأ بأن السقاف قد أفسدت النقل، إذ ذكرت أن عبد المطلب هو الذى قال هذه العبارة وهو ينظر إلى أولاده وأحفاده مباهيا بهم، على حين أن قائلها، كما ورد فى كتاب خفاجى وعبد الجبار وكما ورد فى كتاب "أعلام النبوة" للماوردى، إنما هو أعرابى كان قد مر بعبد المطلب جالسا وحوله أولاده وأحفاده. على أن المؤلفَيْن المذكورَيْن بدورهما لم يذكرا المصدر الذى استقيا منه هذه العبارة وتركانا فى عماية معماة من الأمر. فانظر، أيها القارئ العزيز، إلى كل هذا الاضطراب، وتعجب ما حلا لك التعجب! ثم يقال بعد هذا كله لذلك المزور القرارى إنه باحث لم تلده ولادة! ما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إلهى يحرسك من العين يا قمنى!

بالله أهذا الهلس يصلح فى ميدان البحث العلمى؟ أمن المعقول أن يأتى أحدهم إلى عبارة طائرة لا يدرى من أين أُخِذَتْ ولا من قالها ولا ماذا تعنى، بل لا يدرى أصلا أهى صحيحة أم لا، ثم يرتب عليها أطروحته كلها، وهى أطروحة فى منتهى الخطورة، إذ تتهم محمدا عليه السلام بأنه ليس نبيا بل رجلا سياسيا أراد تحقيق مطامح جده فى توحيد العرب وإقامة دولة تحمل اسم الهاشميين، ثم لا دين بعد ذلك ولا يحزنون؟ وقد نفضتُ كثيرا جدا جدا من كتب التراث التى يغلب على الظن أن مثل تلك العبارة يمكن أن يعثر الباحث عليها فيها فلم أوفق. وبعد رحلة بحثية أخرى لم أعثر عليها إلا فى كتاب واحد هو كتاب "أعلام النبوة" للماوردى المولود فى أول الثلث الأخير من القرن الرابع الهجرى تقريبا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير