تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والملاحظ أن هذه العبارة لا وجود لها فى تاريخ الطبرى ولا فى سيرة ابن هشام ولا فى "المغازى" للواقدى ولا فى غيرها من كتب التاريخ الموجودة فى موقع "الوراق"، وهى بالعشرات. فكيف انفرد الماوردى بها؟ وأين كانت قبل أن يوردها فى كتابه؟ وحتى لو صدقنا بها، فمن ذلك الأعرابى الذى قالها؟ وفى أية ظروف نطق بها؟ بل من هو الراوى الذى رواها للماوردى؟ والواقع أن العبارة لا يمكن أن تكون صحيحة. لماذا؟ أولا لأن كلمة "دولة" بالمعنى الذى يقصده القمنى ومن يتابعهم عميانيا دون فهم أو عقل أو منطق أو تدقيق ليست من معجم الجاهليين. ودونك، يا قارئى العزيز، الشعر الجاهلى كله ففَلِّه براحتك. فإن وجدت هذه الكلمة فى أى شاهد منه غير الشاهد التالى، وهو بمعنى مختلف تماما عما نحن فيه، فتعال قل لى، ولك منى الشكر الجزيل. يقول سليمة بن مالك الأزدى: "وَالقَومُ لا يغنيهمُ رَيْبُ الدُّوَلْ"، أى تداول النصر والهزيمة.

كذلك دونك القرآن الكريم، ويقينا لن تعثر على هذه الكلمة بين مفرداته، بل هناك فقط كلمة "دُولَة" فى قوله تعالى عن الحكمة وراء توزيع الأنفال على فئات بعينها من المهاجرين غِبَّ انتصار المسلمين فى خيبر: "كيلا يكون دُولَةً بين الأغنياء منكم"، أى كيلا ينحصر تداول المال فى يد الأغنياء منكم. فـ"الدُّولَة" هنا من التداول، ولا علاقة لها بمفهوم الدولة ( state) إطلاقا. كذلك تخلو أحاديث الرسول الكريم من تلك الكلمة أيضا، اللهم إلا حديثين أو نحو ذلك من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة استعملا الكلمة بمعنى "السيادة" أو "الدَّوْر" أو "الحصّة"، إذ نُسِب إلى الرسول قوله: "إن للمساكين دولة. قيل: يا رسول الله، وما دولتهم؟ قال: إذا كان يوم القيامة قيل لهم: انظروا من أطعمكم في الله لقمة وكساكم ثوبا أو سقاكم شربة ماء، فأدخلوه الجنة"، "حدثني جبريل عليه السلام، قال: يدخل الرجل على الحوراء فتستقبله بالمعانقة والمصافحة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبأي بنان تعاطيه؟ لو أن بعض بنانها بدا لغلب ضوؤه ضوء الشمس والقمر. ولو أن طاقة من شعرها بدت لملأت ما بين المشرق والمغرب من طيب ريحها. فبينا هو متكئ معها على أريكته إذ أشرف عليه نور من فوقه فيظن أن الله عز وجل قد أشرف على خلقه، فإذا حوراء تناديه: يا ولي الله، أما لنا فيك من دولة؟ فيقول: من أنت يا هذه؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله تبارك وتعالى: "ولَدَيْنا مَزِيد"، فيتحول عندها، فإذا عندها من الجمال والكمال ما ليس مع الأولى. فبينا هو متكئ معها على أريكته، وإذا حوراء أخرى تناديه: يا ولي الله، أما لنا فيك من دولة؟ فيقول: من أنت يا هذه؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله عز وجل: "فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخْفِيَ لهم من قُرَّة أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون". فلا يزال يتحول من زوجة إلى زوجة".

ويؤكد هذا كلَّه ما أثبته الخليل بن أحمد فى معجم "العين"، وهو أقرب المعاجم العربية إلى الجاهلية، وهو: "الدُّولةُ والدَّوْلةُ لغتان، ومنه الإدالة. قال الحَجّاج: إِنّ الأرضَ ستُدَالُ مِنّا كما أَدَلْنا منها. أي نكون في بَطْنها كما كُنّا على ظَهْرها. وبنو الدِّول: حَيٌّ من بني حنيفة". وكما يرى القارئ لا وجود لكلمة "دولة" بالمعنى العصرى فى هذا المعجم. وقد جرت العادة حينذاك أن يقال: "الفرس والروم والأحباش" مثلا بدلا من "دولة الفرس ودولة الروم ودولة الأحباش" كما فى قوله عز شأنه: "ألم غُلِبَتِ الرُّوم فى أدنى الأرض، وهم من بعد غَلَبهم سيَغْلِبون* فى بِضْع سنين".

ولقد بدا لى قبل هذا أن أراجع الشعر الجاهلى كله فى الإصدار الثالث من "الموسوعة الشعرية" لأرى الأبيات التى تتضمن تركيب "إذا أحب الله ... "، فلم أجد فيه ولو شاهدا واحدا، بل لم أجد أى شاهدا أتى فيه اسم الجلالة فاعلا لفعل "إذا" الشرطية قط رغم أننى استعرضت فى ذلك مئات الأبيات التى استعمل فيها أصحابها هذه الأداة ما بين شعراء مشهورين وآخرين مغمورين، وشعراءَ رجالٍ وشاعراتٍ نساءٍ، وما بين "إذا" التى فعل شرطها ماض و"إذا" التى فعل شرطها مضارع، وما بين "إذا" المجردة من "ما" وإذا" التى يعقبها هذا الحرف، وكذلك ما بين "إذا" التى تليها جملة فعلية و"إذا" التى تليها جملة اسمية، وما بين "إذا" الابتدائية و"إذا" التى تتصدر جملة الخبر، وما بين "إذا" التى ترد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير