تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فى صدر البيت و"إذا" التى تأتى فى دَرْجِه ... إلخ. ثم إننى لم أكتف بهذا، بل زدت فاستعرضت فى الموسوعة المذكورة كل الأبيات التى ورد فيها الفعل: "أَحَبَّ" فلم أجده قط فى شعر الجاهليين مسندا إلى الله ولا واقعا عليه أيضا.

وثالثا كيف يمكن أن تخطر لأعرابى فكرة إنشاء الدول، ولم يعرف الأعراب أوانذاك إقامة الدول، إذ كانوا قبائل متناحرة لم يعرفوا الدول ولا الأوطان كما نعرفها نحن الآن؟ وبحقٍّ يؤكد مكسيم رودنسون المستشرق الفرنسى المعروف، فى مادة "محمد" فى طبعة هذا العام من " Encyclopaedia Universalis: الموسوعة اليونيفرسالية"، أن العرب "كانوا يجهلون فكرة الدولة: la notion d'État était inconnue". بل إنهم لم يكونوا ينسبون مثل هذه الأمور إلى الله سبحانه ولا كان يدور فى أذهانهم فى ذلك الوقت من الجاهلية مفهوم المشيئة والإرادة الإلهية على النحو الذى عرفوه بعد الإسلام. لقد كانوا يقولون مثلا: "نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر". ولدينا الشعر الجاهلى، وليس فيه شىء يدل على أنهم كانوا يربطون بين مثل ذلك الأمر وبين إرادة الله. ولنفترض بعد هذا كله أن ما قلناه غير صحيح، وهو لا يمكن إلا أن يكون صحيحا، فكيف لم يحاول واحد من منشئى الدول هؤلاء حسب قولة الأعرابى المزعومة كالعباس وحمزة وأبى لهب وأبى طالب مثلا أن يفكر فى إقامة دولة، اللهم إلا صغيرهم وابن أخيهم محمدا؟ لقد وقفوا منه أول ما بدأ دعوته إلى الإسلام موقف العداء والعناد، بل لقد انضم بعضهم إلى معسكر المؤذين له المتآمرين عليه كأبى لهب. كما أن الذين آمنوا من كبارهم إنما آمنوا بأُخَرَةٍ ولم يسارعوا إلى الانضمام إلى صفوف أتباع منشئ الدول هذا. أما أبو طالب، الذى بسط حمايته على ابن أخيه وكان له فى كثير من المواقف ردء صدق، فلم يؤمن به قط رغم كل الحنان الذى كان يكنه له فى قلبه.

بل لقد كان أبو طالب يطلب منه صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحيان أن يكف عن الدعوة إلى ما جاء به إبقاء على العلاقات التى تربط الهاشميين بسائر المكيين على ما تصوره لنا الرواية التالية من السيرة النبوية لابن هشام والتى أوردها الكاتب نفسه فى كتابه موجزة: "ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه. ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه. ثم إنهم مَشَوْا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استَنْهَيْناك من ابن أخيك فلم تَنْهَه عنا. وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفّه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قالوا له. ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه.

قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدّث أن قريشا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا (الذي كانوا قالوا له)، فأَبْقِ عليَّ وعلى نفسك، ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق. قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بَدَاءٌ أنه خاذله ومُسْلِمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته. قال: ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام. فلما ولى ناداه أبو طالب فقال: أقبل يا بن أخي. قال: فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أُسْلِمك لشيء أبدا". أفلو كان هناك تلك التخطيطات التى يزعمها أصحاب التخليطات الحشاشية، أكان هذا يكون موقف أبى طالب من ابن أخيه الساعى لإنشاء دولة العشيرة؟ أُفٍّ لكل مُهْتَلَسٍ مَأُوف!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير