تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم إن الكاتب نفسه يقول بعد ذلك ما نصه: "وكانت النتيجة التي سجلتها كتب التاريخ الإسلامي أنْ حَقِبَ الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القوم، وبادأ بعضهم بعضا، وقام حزب عبد الدار يستجمع حلفاءه لمواجهة ما بدأت نذره في الأفق برغم نداء بعض العقلاء مثل عتبة بن ربيعة، الذي التقى النبي، وأدرك الأهداف الكبرى للدعوة، فقام يقول لقريش: يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وما هو فيه فاعتزلوه. فوالله ليكونن لقوله الذي سمعتُ منه نبأ عظيم. فإن تُصِبْه العرب فقد كُفِيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. وعلى الطرف الآخر أعلن الهاشميون أنهم قد منعوا فتاهم برغم عدم متابعة دعوته دينيا، اللهم إلا أفرادا فرادي. فكانت عصبيتهم القبلية درعا قويا لدعوة حفيد عبد المطلب، التي استنفرت الحزب المناوئ الذي أصر على زعمه أنها دعوة لو كتب لها النجاح لصار الأمر كله إلى البيت الهاشمي". وإن العاقل ليتساءل: لماذا يا ترى يَنْكِل الهاشميون عن متابعة محمد فى دعوته ما دامت تؤدى إلى إنشاء الدولة التى لا تكلّ عشيرتهم عن التخطيط لها والعمل على تحقيقها بكل وسيلة منذ أجيال؟ وماذا يضيرهم فى أن يتابعوه على دعوته؟ أو فلنقل: وماذا كان يضيره لو ترك دعوته الدينية وركز على تنفيذ خطته السياسية ما دام الدين الذى جاء به قد فرق قومه، وفرق معهم عشيرته أيضا، بدلا من توحيدهم؟ ثم كيف يفسر كاتبنا البلبوصىّ هذه الحكمة التى بدت على عُتْبة بن ربيعة فأراد من أهل مكة أن يكفّوا عن مناوأة الرسول، وابنُ ربيعة لم يكن هاشميا؟

وبالمناسبة فالكاتب لا يرتاح هنا إلا بعد أن يكذّب ما يقوله الرسول والصحابة عن عمرو بن هشام، الذى سَمَّوْه: "أبا جهل"، إذ يقول لوذعيُّنا الكارهُ لكل شىء فى الإسلام: "ومن الجدير بالذكر أن عمرو بن هشام لم يكن رجلا أحمق أو أبله بدلالة تحاكم العرب إليه في النفورة والمشاورة والمخايرة منذ حداثته حتى إنهم أدخلوه دار الندوة صبيا". وهذا يعنى أن ما قاله المسلمون والرسول عن جهله وحمقه هو كذب فى كذب وغيظ وحقد لا حقيقة له، وكأن كل صاحب منصب لا بد أن يكون أهلا لذلك المنصب. أفلا يكفى أن يعادى دعوة الإسلام وأن يظل طوال عمره مفعم القلب بالحقد على الرسول الكريم عاميا عن القيم النبيلة المضيئة التى يحتوى عليهادينه، مؤثرا عليها قيم الجاهلية الجهلاء؟ أفلا يكفى أن يكون هو مُورِد قومه مَوْرِد التهلكة فى بدر حين أصر فى عنادٍ غبىٍّ وكِبْرٍ مقيتٍ على متابعة جيش قريش تقدمه إلى بدر رغم توارد الأنباء بنجاة القافلة القرشية التى خرج الجيش لحمايتها، فكانت ثمرة ذلك العناد الجهول الأحمق أن جُنْدِل العشرات من صناديد قريش وقوادها ورؤسائها، ومنهم أبو الجهل هذا؟

وتخبرنا السيرة أن كفار قريش قد عرضوا على النبى، ضمن ما عرضوه، المُلْك والسلطان، إلا أنه رفض. فلم يا ترى، وقد كان حريًّا به أن يَعَضّ على تلك السانحة بالنواجذ فلا يفلتها أبدا؟ جاء فى كتب السيرة والأحاديث النبوية "أن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، ورجلا من عبد الدار، وأبا البختري أخا بني أسد، والأسود بن المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيها ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا فقالوا: يا محمد، والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك. لقد شتمت الآباء، وعِبْتَ الدين، وسفَّهْتَ الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، فما من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك. فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا. وإن كنت تطلب الشرف فينا سَوَّدْناك علينا. وإن كنت تريد مُلْكا مَلَّكْناك علينا. وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتي رَئِيًّا تراه قد غلب بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه ونُعْذِر فيك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير