تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل عليَّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا. قالوا: فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادا ولا أقل مالا ولا أشد عيشا منا، فَسَلْ لنا ربك الذي بعثك به فَلْيُسَيِّرْ عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليجحر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من قد مضى من آبائنا. فإن لم تفعل فَسَلْ ربك مَلَكًا يصدّقك بما تقول، وأن يجعل لك جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة ويغنيك على ما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش. فإن لم تفعل فأسقط السماء علينا كِسَفًا كما زعمتَ أن ربك إن شاء فعل، فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية، فقال: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله، ثم سألوك أن تعجّل ما تخوفهم به من العذاب، فوالله لا أؤمن لك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ترقى فيه، وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة، ومعك أربعة من الملائكة، فيشهدوا لك أنك كما تقول. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا، فأنزل عليه ما قاله عبد الله بن أبي أمية: "وقالوا لن نؤمن لك" إلى قوله: "بشرا رسولا" ... ".

وهَبِ الرسول عليه السلام قد أخطأ خطأ الدهر الذى لا يُجْبَر، فكيف تركه بنو هاشم فلم يدفعوه إلى قبول مثل ذلك العرض الذى كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر وخلع الضرس، بل بفقء العين، وكانوا على استعداد لأن يبذلوا فى سبيله الغالى والنفيس؟ ألم يكن هذا هو حلم آبائهم وأجدادهم منذ أجيال على ما يقول القمنى وعبد الكريم تبعا لما لُقِّنَاه؟ فيكف يفلتون كلهم جميعا مثل تلك الفرصة؟ ثم كيف نفسر أنه صلى الله عليه وسلم لم يعهد برئاسة الدولة من بعده لأحد من بنى هاشم وترك الأمر شورى بين المسلمين؟ إن ما يقوله عبد الكريم والقمنى إنما هو ترديد لما ظنه الكفار هدفا لمحمد فعرضوا عليه الملك كما رأينا. إلا أن محمدا قد رفض هذا العرض رفضا باتا، مكذبا بذلك كل الكفار فى كل الأدهار. أليس ذلك أمرا مخزيا؟ ألا إن فى ذلك لذِكْرَى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد! لكنْ على من تتلو مزاميرك يا داود؟

وأخيرا فها هو ذا القمنى بعظمة لسانه بعد كل هذه التهويشات الحلمنتيشية عن "الدولة" التى وضع محمد إنشاءها نصب عينيه منذ كان طفلا صغيرا جالسا مع جده وسائر أعمامه وأطفالهم واستمع إلى عبارة جده الخطيرة عن الرجال الذين إذا أحب الله إنشاء دولة خلق أمثالهم لها، ها هو ذا القمنى يلحس كل ما قاله فى هذا الشأن ويؤكد أن النبى حتى بيعة العقبة الأولى لم يكن يضع فى ذهنه بتاتا إقامة أية دولة. يقول سيد المزورين الأولين والآخرين إلى يوم الدين فى الجزء الثانى من مقال له منشور فى موقع "الحوار المتمدن" بعنوان "البيعة ليست هى التصويت": "كانت بيعة العقبة الأولى تحديد هدف الدين بالسعي في الدنيا للحصول على رضا الله لدخول جنته، وليس لإنشاء دولة ذات سلطة وسلطان، ومُلْك يتناصر حوله الناس أو يتصارعون". ونفس الشىء فيما يتعلق ببيعة العقبة الثانية حسبما نقرأ بعد ذلك بسطور قليلة: "بيعة اتفاق على الدم والهدم والحرب وألا يتخلى الأنصار عن نبيهم ويمنعوه كما يمنعون نساءهم وأطفالهم حتى يشتد أمره وتقوى شوكته. وعليه أيضا عندما يقوى شأنه ألا يرتد عنهم ويتخلى عنهم ويعود إلى بلده. هذه هي العقبة الثانية بتفاصيلها ليس فيها شئ عن دولة أو انتخابات ... إلخ".

ثم لا يتركنا القمنى فى ضلال من الأمر، بل يعود فيؤكد ما قاله مرة أخرى: "أين هنا الدولة؟ العقبة الأولى كانت تمهيدا للهجرة، وكانت اتفاقا سريا غير علني، والدول غير سرية. العقبة الثانية سرية لتنفيذ الإتفاق". ثم لا يكتفى بهذا، بل يعاود بعد قليلٍ التأكيد قائلا: "مرة أخرى: أين هي الدولة؟ العقبة الأولى كانت تمهيدا للهجرة، وكانت اتفاقا سريا غير معلن، والدول غير سرية. العقبة الثانية سرية بدورها لتنفيذ الاتفاق السري". ثم سوف يعود مرة ثالثة فى الجزء الثالث من المقال مؤكدا ما سبق أن أكده من أنه لم يكن ثم وجود لفكرة الدولة فى ذهن النبى أو الأنصار فى بيعتى العقبة: الأولى والثانية. ليس ذلك فقط، بل هو يصرح بكل ما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير