تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قومه بقرب قيام الوحدة السياسية، فيشير إلى أبنائه وحفدته الذين أصبحوا له عزوة وشدّ أزر، ويقول: "إذا أحب الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء"، أولئك الأبناء الذين كاد يقدم أحدهم ذبيحا: ابنه عبد الله أب النبي عليه السلام كما كاد يفعل جده البعيد إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل عليه السلام".

فهذه التهمة المفزعة إنما سطا عليها ونتشها من طه حسين وفلهلم رودلف، اللذين أشار، فى كتابه عن إبراهيم الخليل، إليهما وإلى كتابيهما: "فى الشعر الجاهلى" و"صلة القرآن باليهودية والمسيحية" وما ورد فيهما حول هذه النقطة إشارة تامة الوضوح بما يدل على أنه مدرك لما فى الكتابين وأبعاد ما فى الكتابين وبحيث لا يستطيع هو أو أى من أبواقه المنافحين عنه بالباطل على طول الخط أن يعطسوا فيها مجرد عطسة، إذ نراه يتحدث بأنه ليست هناك دلائل تاريخية على وجود إبراهيم عليه السلام أصلا، وأن عدم وجود هذه الدلائل دفع باحثا مثل فلهلم رودلف إلى إنكار وجوده تماما وإلى القول بأن محمدا قد زعم أنه هو جَدّه البعيد وجَدّ جميع العرب، والمسلمين على وجه الخصوص، وذلك بعد هجرته إلى يثرب تألفا لقلوب اليهود هناك. كما رصد أيضا التشابه بين كلام رودلف وما قاله طه حسين فى كتابه المشار إليه آنفا من أن ما ذكره القرآن عن إبراهيم وإسماعيل إنما هو نوع من الحيلة لإثبات صلة بين اليهود والعرب، وكذلك بين اليهودية والإسلام (سيد القمنى/ النبى إبراهيم والتاريخ المجهول/ مدبولى الصغير/ 17).

وهذا الزعم يلقاه القارئ أيضا لدى مكسيم رودنسون المستشرق الفرنسى اليهودى الذى كتب فى مادة "محمد" فى طبعة 2009م من " Encyclopaedia Universalis: الموسوعة اليونيفرسالية" أن فكر محمد قد تطور فى المدينة جَرّاء ما نشب بينه وبين اليهود من خلاف بحيث تعرَّب الدين الذى يدعو إليه، فاكشتف أن إبراهيم هو أبو العرب عن طريق ابنه إسماعيل مثلما هو أبو اليهود من خلال ابنه الآخر إسحاق، وأنه لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، بل كان مثله حنيفا مسلما. وبالمثل نُسِب إلى إبراهيم وابنه إسماعيل أنهماهما اللذان أسسا الكعبة: " Pendant ce temps, ses idées avaient évolué, et la religion qu'il prêchait s'était nettement arabisée. Il se rattache directement à Abraham (Ibr?h?m), dont il a découvert qu'il était l'ancêtre des Arabes par Ismaël (Ism?،?l) aussi bien que des juifs, qu'il n'était ni juif ni chrétien, mais comme lui un monothéiste pur. Il s'agit pour les Arabes de retrouver cette foi, non de s'aligner sur les religions étrangères. À Ismaël et à son père se trouve attribuée la fondation de la Ka،ba, l'énigmatique maison située au centre du sanctuaire mekkois".

هذا، ولا أحب أن يفوتنى إدخال شىء من الترويح على قلب القارئ العزيز فأقول له إن سيد القمنى قد لحس أيضا، فيما لحس، ما كان قد قاله عن الحيلة التى ادعى أن عبد المطلب جد النبى لجأ إليها فى سبيل إقامة الدولة الهاشمية، ألا وهى الزعم بأن إبراهيم هو جد العرب عموما، وقريش على وجه خاص، إذ نجده فى كتابه: "النبى إبراهيم والتاريخ المجهول" يهاجم كتبة العهد القديم، الذين عبثوا بكتابهم المقدس وأَخْفَوْا ذهاب إبراهيم إلى بلاد العرب وإصهار ابنه إسماعيل إليهم. وهذا الموقف الجديد المناقض للموقف القمناوى القديم متاح لمن يود الاطلاع عليه بنفسه فى الفصل المسمى: "الرحيل جنوبا" من كتابه المذكور بدءًا من ص71، وكذلك فى بعض صفحات الفصل التالى. ومع هذا فقد عاد البلبوص الأعظم إلى تشكيكاته، إذ تساءل: كيف يقول القرآن فى موضع إن إبراهيم قد ترك ابنه إسماعيل عند بيته المحرم بما يدل على أن البيت كان موجودا أوانئذ، ثم يذكر فى موضع آخر أنه هو وإسماعيل قد قاما ببنائه بعد ذلك، وهو ما يعنى أنه لم يكن هناك بيت فى ذلك الوقت؟ ومع أنه قد تولى بنفسه سَوْق الرد الذى قدمه العلماء، وهو أن البيت كان موجودا قبل ذلك، إلا أنه احتاج من إبراهيم وابنه عليهماالسلام إلى أن يرفعا قواعده مرة أخرى، نراه يبدى حيرته وتشككه فى جدوى هذا التفسير رغم وجاهته الشديدة. إن المسافة الزمنية بين عمر إسماعيل الرضيع حين تركه أبوه مع أمه فى بَرِّيّة الحجاز وبين السن التى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير