تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يستطيع فيها معاونة والده فى رفع قواعد البيت ليست بالقليلة، فيمكن أن يحدث للبيت خلالها تصدُّعٌ لسبب أو لآخر يستلزم رفع قواعده. أو ربما كان البيت منذ البداية محتاجا إلى إعادة بناء، إلا أن إبراهيم لم يكن يستطيع القيام وحده بتلك المهمة، فانتظر إلى أن كبر إسماعيل وأضحى قادرا على معاونته. فالمسألة، كما يلمس القارئ الأمر بيده لمسا، هى لدى أبى البلابيص: سمك، لبن، تمر هندى!

وهذا "السمك اللبن التمر هندى" موجود أيضا فى موقفه من إسرائيل والصهاينة. وذلك واضح من المقارنة بين ما كتبه فى كتاب "رب الزمان" عن خطاب إسحاق شامير رئيس وزراء إسرائيل فى ذلك الوقت، إذ يمطر ذلك الصهيونى العريق فى الإجرام ويمطر معه دولة إسرائيل وقادتها وشعبها كله بما يستحقونه من تهم الإرهاب والغش والتضليل وسفك الدماء واغتصاب الأرض وتدمير البيوت وتقتيل البشر، مستشهدا فى كل ما يقول بنصوص من العهد القديم، لا يتحرج فى ذلك ولا يتردد، وبين ما أصبح يكتبه بعد ذلك من تمجيد لإسرائيل ولشعبها ولأمريكا والغرب كله المناصر لإسرائيل على طول الخط، فى الوقت الذى لا يجد فى العرب والمسلمين أى شىء طيب على الإطلاق. ومع هذا يقولون عنه إنه مفكر (مفكر فقط؟ لا بل مفكر كبير)، وإنه وإنه!

والطريف أن سيد يفرد عضلاته على الباحثين جاعلا من نفسه أستاذا يعطيهم دروسا فى المنهج العلمى وما يستلزمه من انضباط صارم. فهو مثلا فى مقال "رب الزمان"، الذى يناقش فيه ما كتبه د. سيد كريم فى مجلة "الهلال" فى فبراير 1982م من القرن البائد عن قدماء المصريين وبناء الكعبة "ينجعص" إلى الوراء ثم يتفلحس مخاطبا الدكتور بقوله: "واضح من البداية أني لن أكون مجاملا، وفق حسابات بسيطة تماما: أولها أن ميدان البحث العلمي ميدان لا يصح فيه لفارس تجاوُز شروط الفروسية وقواعد اللعبة لتحقيق قصب السبق. وأعتذر عن استخدام تعبير "اللعبة" في حديثي عن العلم وشروطه، لأن الموضوع برمته كان عند د. كريم مجرد لعبة. وثاني هذه الحسابات هو أن القارئ أمانة، والكلمة أمانة، وأول شروط البحث العلمي هي الأمانة. ورغم بساطة الحسابات، فإنها لم تترك لنا بصرامة حقوقها (وهي لوجه الحق حق، وأحق أن تتبع) أيّ فرصة للمحابات أو المجاملة". يا بجاستك يا أخى! فكيف بالله عليك زوَّرت الشهادة إياها أم 200 دولار؟

وهناك فكرة أخرى قد لحسها أيضا أبو البلابيص، فكرة أخذها هو و"وِنْجُه" الشمال خليل عبد الكريم من طه حسين، الذى سبق إلى لحسها والانقلاب بزاوية 160 درجة ليقول كلاما ينقضها تماما، ألا وهى تأكيده أن العرب الجاهليين لم يكونوا جاهلين، بل كانوا مثقفين ثقافة عالية. وهو يزعم أن المسلمين هم الذين أشاعوا عنهم سمة الجهل حتى يثبتوا أن الإسلام هو صاحب الفضل عليهم فى انتقالهم من حال التخلف إلى حال التقدم. فهو يريد أن يقول، من طَرْفٍ خفى، إن الإسلام ليس له فضل على العرب، أىّ فضل. وقالا هما وراءه نفس الكلام. قاله خليل عبد الكريم فى كتابه: "الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية"، الذى يسخر فيه من تسمية العصر السابق على الإسلام بـ"الجاهلية" (ط. سينا للنشر/ 1990م/ 7)، مع أن الذى سماها كذلك هو القرآن قبل غيره.

وقاله القمنى فى كتابه: "العرب قبل الإسلام"، وهذه عبارته نصا: "دأب بعض مفكرينا في شؤون الدين، عافاهم الله، على الحط من شأن عرب الجزيرة قبل الاسلام وتصويرهم في صورة منكرة، وسار على دربهم أصحاب الفنون الحديثة في القصة والسيناريو والأعمال الفنية السينمائية، بحيث قدموا ذلك العربي عاريا من أية ثقافة أو حتى فهم أو حتى انسانية، حتى باتت صورته في ذهن شبيبتنا، إن لم تكن في أذهان بعض المثقفين بل والكتاب أيضا، اقرب الى الحيوانية منها الى البشرية. وقد بدا لهؤلاء أن القدح في شأن عرب قبل الإسلام وابرازهم بتلك الصورة المزرية هو فرش أرضية الصورة بالسواد لابراز نور الدعوة الاسلامية بعد ذلك، وكلما زادوا في تبشيع عرب الجاهلية كلما كان الاسلام اكثر استضاءة وثقافة وعلما وخلقا وتطورا على كل المستويات. وان الامر بهذا الشكل يبعث اولا على الشعور بالفجاجة والسخف، ثم هو يجافي ابسط القواعد المنطقية للايمان، فالإيمان يستدعي بدايةً قيمته من دعوته ومن نصه القدسي وسيرة نبيه، فقيمته في ذاته قيمة داخلية، وليست من مقارنته بآخر. اما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير