تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذه الفكرة مسروقة سرقة مباشرة من الكتاب الذى يحمل اسم أبكار السقاف، ولكن دون أن يشير السارق إليه، إذ نقرأ فى كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية" أن قريشا "آمنت أن هذا الفرد من بيت هاشم والذى احترف التجارة احترافها، وفى قوافلها التجارية سار، إنما يريد سيادة على العرب، وللعرب امتلاكا بملك لا تحده حدود الحيرة وغسان، بل إلى ما وراءهما سيمتد فيطوى الروم والعجم. فإنما العين من محمد تمتد إلى خارج أرضها. وعلى ذلك يأتي اللسان منه دليل، وهو ينطلق فى ترديد مناديا: "اتبعوني! والذى نفسي بيده لتملكن كنوز كسرى وقيصر! ". ومن الجلى أن الكاتب قد أغار على فكرة الكتاب المذكور وأخذها كما هى. حتى العبارة التى أوردها للنبى عن كنوز كسرى وقيصر موجودة فى الكتاب الذى يُنْسَب لأبكار السقاف. كذلك فإن كلامه عن خوف قريش من ثورة الصعاليك المسلمين هو هو نفسه الكلام الوارد فى كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية": "وهكذا راحت الأيام تنفرط، وقريش عن عقيدة لها لا تتخلى، ففى المخيلة منها قد رسخت عن محمد هذه الفكرة ليزيدها بمنطقها إيمانًا استشعارها من أنفاس السور الأولى المكية النغمة الاجتماعية التى رأت أن فيها يمكن الخطر من أمر هذه "الدعوة"، التى راحت لها تؤيد طوائف ممن وُعِدوا بامتلاك كنوز كسرى وقيصر وبأن يكون لهم نسبًا. وهؤلاء إنما هم من تنعتهم قريش "بالسفهاء". فإنه إلى جانب تلك الطبقة من السادة الذين إلى المرامى السياسية من هذه الدعوة كان قد هفا منهم الفكر كانت تقوم هذه الطبقة المؤلفة من الموالى والعبيد ممن إلى المرامى الاجتماعية من أمر هذه الدعوة كانت قد استجابت منهم الأفئدة. بهذا الاتباع الذى تجلى بالاتباع من كلا الطبقتين بدأت الدعوة المحمدية تتخذ مظهرها العملى، فإن محمدًا قد بدأ، وهو الذى كان قد اعتنق الدين الحنيف، يبادئهم بذكر شفعائهم. وكان من قبل لا يذكرها ويعيبها، وكان من قبل لا يعيبها. وهنا عظم الأمر على قريش وبدأ بهم جدى التفكير فى أمر محمد، لقد كان من قبل لا يهمهم حين قال إنه نبى بقدر ما يهمهم الآن، ومن ثم فلم يبق الأمر موضع سخرية واستخفاف وإنما موضع تفكير واهتمام. فالأمر إنما منذر بثورة سياسية قد تهب بهؤلاء السادة، وثورة اجتماعية قد يندلع لظاها بهؤلاء الموالى والعبيد. وهذا إنما أمر لَشَدَّ ما منه تفزع قريش، ولَشَدَّ ما منه تجزع".

ومما قاله مؤلف الكتاب فى التدليل على أن الأمر فى الإسلام إنما هو أمر تخطيط سياسى دنيوى لا صلة بينه وبين وحى السماء زَعْمُه أن عبدالمطلب "تمهيدا لما أزمع (من العمل على بلوغ مأربه السياسى من إقامة الدولة الهاشمية) أعلن في الناس أنه بينما كان نائما في الحِجْر بالكعبة أتاه رَئِيٌّ وغَتَّه ثلاث مرات، وأوحى إليه الأمر بحفر البئر المعروفة باسم "زمزم". وتقول كتب الأخبار الإسلامية إنه لجرهم بين صنمَيْ إساف ونائلة، دفنتها حين تركت مكة. نعم لقد تمثل تنافس بني العمومة من قبل في احتفار الآبار جذبا للقبائل وقوافل التجارة، فقديما حفر عبد الدار أم جراد، ولما حفر عبد شمس الطوي رد عليه هاشم بحفر بدر، فزاد أمية في الكرم وحفر الحضر، فرد عليه عبد المطلب بحفر زمزم". فهو، كما نرى، إنما يعزو الأمر كله فى حفر زمزم إلى كذب عبد المطلب من أجل الوصول إلى الغرض السياسى الذى صممت على بلوغه أسرته منذ قديم الأيام. ثم شىء آخر أخطر من ذلك وأَطَمّ وأدهى، ألا وهو الإحالة على ابن هشام فى مسألة التنافس بين الهاشميين وخصومهم من أقاربهم على حفر الآبار، وكأنه قد نقل ذلك فعلا من كتاب الرجل فى السيرة، مع أن ابن هشام لم يقل شيئا من ذلك البتة. وهذا هو التدليس بعينه الذى مَرَدَ عليه أمثاله!

على أن عبد المطلب لم يقف بكذبه فى رأى صاحب هذا الكلام الأخرق عند ذلك الحد، بل شفع كذبته عن زمزم بكذبة أخرى تتعلق بالأنساب مؤداها أن قريشا تعود بنسبها إلى إبراهيم عليه السلام رغم عُرْىِ ذلك الكلام عن الصحة جملة وتفصيلا. وكأن اليهود كان من الممكن أن يسكتوا على تلك الكذبة لو كان ما يقوله المؤلف البكاش النتاش صحيحا فلا يفضحوا النبى ويكذبوه فيما يقوله القرآن ويقوله هو صلى الله عليه وسلم عن بنوّة العرب لإبراهيم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير