تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وثم شىء آخر تساخف فيه الكاتب وقلب فيه الحقائق على رؤوسها وساق من "الهجايص" ما باخ الأمر معه جدا. قال: "لكن الخزرج سرعان ما تراجعت عن تنصيب ابن سلول زعيما على يثرب إزاء التطورات الجديدة في مكة، وأرسلوا وفودهم إلى ابن أختهم محمد صلى الله عليه وسلم في مكة، وقاموا بمحاولة إقناع الأوس بالأمر لما له من وجاهة من عدة نواح: الأولى أنه نبي مؤيد من الله، وفي ذلك كفالة النصرة. والثانية أنه طرف محايد، فلا هو أوسي ولا هو خزرجي. أما الناحية الثالثة والأهم سياسيا واقتصاديا فهي أنه، بخروجه من مكة إليهم، يمكنهم بقيادته شن الحرب على أهل مكة بل قطع خطوطها التجارية مع الشام التي تمر على المدينة. وفي ذلك لا لوم ولا تثريب، فهم إنما يتبعون أمر السماء. ثم إن قائدهم إنما هو فرد مكي ومن أهل مكة أنفسهم. ثم إن اليهود كانوا في تمام الرضا عن هذا التوجه حيث الآيات الكريمة تكرّم أنبياء بني إسرائيل وتفضّل النسل الإسرائيلي على العالمين".

وتعقيبا على هذا التساخف نقول إنه لم يكن ثم عداوة بين المكيين واليثربيين فى ذلك الوقت، وإلا لما جرؤ أهل يثرب على الذهاب إلى مكة فى مواسم الحج، ومنها ذانك الموسمان اللذان توافقا فيهما على هجرة النبى إلى بلادهم وحمايتهم له. أليس هذا هو ما يقوله المنطق والعقل؟ بلى، ولكن بعض الناس لا منطق لديهم ولا عقل. كذلك لم يكن ضمن بنود الاتفاقية بينهم وبين النبى أن يشنوا حربا على قوافل قريش، بل على حمايته صلى الله عليه وسلم فحسب. ولهذا توجس النبى ألا يوافقوا على الخروج إلى بدر باعتبار أن ذلك لا يدخل فى بنود الاتفاقية المذكورة. وعلى عادة كاتبنا الهماز اللماز لا يرضى أن يترك الموضوع دون وخزة سامة يظن أنه مستطيعٌ وخزها للرسول ودينه، إذ يقول إن الأنصار كانوا متأكدين أن القرآن سوف يسهل لهم الهجوم على قوافل قريش فينزِّل آيات تبارك لهم هذا، وكأنهم كانوا يشمون على ظهر أيديهم قبل الهنا بسنة!

أما قوله: "إن اليهود كانوا في تمام الرضا عن هذا التوجه حيث الآيات الكريمة تكرّم أنبياء بني إسرائيل وتفضّل النسل الإسرائيلي على العالمين" فهو كلامٌ متنطعٌ أشد التنطع، إذ كان الوحى المكى ينزل قبل ذلك كالصواعق على رؤوس بنى إسرائيل رغم ثنائه العظيم على رسلهم وأنبيائهم، لأن هذه نقرة، وتلك نقرة أخرى! ألم يرجمهم براجماته حين ارتدوا على أعقابهم وعبدوا العجل فى غياب موسى فوق الجبل؟ ألم يلعن منتهكى حرمة السبت منهم؟ ألم يسلق جلود من طلبوا من موسى غِبَّ عبور البحر أن يجعل لهم إلها كما للقوم الوثنيين الذين مروا بهم فى سيناء آلهة؟

وينتهى الكتاب بالفقرة التالية: "وهكذا قامت الدولة الإسلامية بجهود البيت الهاشمي، وفضل لا ينكر لأهل الحرب والحلقة اليثاربة وخئولتهم (ملاحظة سريعة: كلمة "اليثاربة" هى أيضا من الكلمات المشتركة التى يستخدمها كل من سيد القمنى وخليل عبد الكريم). لكن ذلك كله لم يَفُتّ في عضد الحزب الأموي، فظل هؤلاء يترقبون الفرص حتى ما بعد اتساع الدولة بالفتوحات، وعندما سنحت الفرصة اقتنصوها، واستولوا على الحكم استيلاء صريحا بعد أن كان ضمنيا باستبعاد عليٍّ بعد وفاة الرسول. وساعتها تجلت مشاعرهم تجاه بني عمومتهم في المجازر الدموية التي راح ضحيتها كل من أيد البيت الهاشمي، حتى امتدت يد الانتقام الحمقاء إلى حَفَدة المصطفى صلى الله عليه وسلم استئصالا لهذا البيت وأهله، ووصل بهم حد الهوس إلى ضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق. مشاعر عبر عنها لسان يزيد بن معاوية الأموي منسوبا إليه عن قصيدة طويلة لابن الزِّبَعْرَي:

لعبتْ هاشمُ بالملك فلا * خبرٌ جاء، ولا وحي نَزَلْ

أو كما أورده ابن كثير:

لعبت هاشمُ بالملك فلا * مَلَكٌ جاء، ولا وحي نَزَلْ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير