تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهى فقرة لا تَسُوق لنا ما حدث من وقائع التاريخ، بل تعكس ما يزعمه مؤلف الكتاب بشأن الإسلام وما يريد ترويجه من أنه ليس دينا سماويا، بل سياسة ودهاء ومكرا وكيدا خبيثا فَتَشَه الأمويون فتصرفوا تجاهه بما يناسبه، فكان كفرهم بدين محمد، إذ كانوا يعرفون الفُولَة وقِشْرتها، فلذلك لم ينخدعوا كما ينخدع أمثالنا من الجهال والعوام الذين بلعوا طعم الهاشميين متمثلا فى الدين الذى اخترعه ابنهم محمد وزيف له قرآنا يضحك به على السُّذَّج الأغرار الذين لا يستطيعون تصور الدين من غير كتاب مقدس. وهى خاتمة منتنة تليق بالكتاب الدنس دَنَسَ من أوحى به وحرص على إفشائه بين المسلمين!

ذلك أنه لا ابن الزبعرى قال ذلك البيت ولا يزيد ردده. ولو كان يزيد قاله لكان هذا كفرا صُرَاحًا لا يمكن أن يسكت المسلمون عليه مهما كانت شدة وطأة الأمويين وقتئذ. ولقد حاولتُ أن أجده فى شعر ابن الزبعرى فلم أُوَفَّق، وما كان يمكن أن أوفق، إذ من المعروف أن ابن الزبعرى لم يقل ذلك البيت البتة، بل هو من وضع الشيعة ليسيئوا إلى يزيد ويخلصوا من هذا إلى اتهامه بالكفر. والكاتب الخبيث إنما نقله عن مرجع شيعى لا يصلح للنقل عنه، وهو "فاجعة الطف" لمحمد القزوينى، الذى لا يتنبه إليه وإلى أمثاله عادة إلا مستشرق أو مبشر يبحث عن إثارة الشغب. وإنما حاولت أن أحقق البيت رغم معرفتى تلك لا لشىء إلا لكيلا أكون قد أَلَوْتُ جهدا. ولقد وجدت فى بعض المواقع الشيعية البيت وبيتا آخر مختلقا على يزيد مع بيتين لابن الزبعرى، وواضح أنه قد وُضِع وضعًا فى هذا المكان لكى تَعْلَق تهمة الكفر، كماقلت، بيزيد والأمويين.

والحق أن ابن الزبعرى لا يمكن أن يكون قد قال هذا البيت: أولا لأنه غير موجود فى ديوانه ولا فى أى مرجع محترم نعرفه. ولقد درسنا هذه القصيدة حين كنا طلابا بقسم اللغة العربية بآداب القاهرة، ولم يكن هذا البيت منها. وثانيا فإن الشاعر يتهكم بالخزرج، والمقصود بالخزرج هنا حسان بن ثابت، الذى كان قد نظم قصيدة يهجو فيها قريشا عقب هزيمتها فى بدر ويفتخر بالخزرجيين قومه وما أَدَّوْه من خدمات للإسلام، فلما انتكس المسلمون بسبب عصيان الرماة لأوامر الرسول فى أُحُدٍ عَمِلَ ابن الزبعرى هذه القصيدة ردا على قصيدة حسان من العام الفائت، فليس للسخرية من الهاشميين إذن موضع فى هذه القصيدة. ثم إنه لم يكن فى المدينة آنذاك حكم هاشمى حتى يقال إن الهاشميين قد لعبوا بالحكم، بل كانت هناك حكومة يرأسها النبى ويعاونه فى تدبير شؤونها أصحاب له من قبائل مختلفة مكية ويثربية. ولنفترض أنه كانت هناك حكومة هاشمية، أفيظن أى عاقل أن ابن الزبعرى او غيره يمكن أن يقول عن الرسول إنه يلعب بالحكم، وقد كان الأمر جدا كل الجد، بل مرا كل المرارة فى تلك الفترة التى تقعقع فيها السيوف وتتطاير الرقاب وتسيل الدماء؟ ومن هذا نرى أن مؤلف الكتاب الجاهل إنما يخبط خبط عشواء. ذلك أنه لا يفهم أصول المنهج العلمى فى التأليف، وكل همه أن يسىء إلى الإسلام بجميع الوسائل الممكنة بغض النظر عن سخفها وتفاهتها وحمقها وضلالها.

وإلى القارئ ما وجدته فى واحد من تلك المواقع الشيعية المذكورة: "من جملة الكلمات الدالة على الكفر الباطني ليزيد وبغضه للرسول صلى الله عليه وآله، إذ أنّه تغنّى بهذه الأشعار وهو في غاية الفرح والنشوة عندما أدخل عليه سبايا أهل البيت بعد مقتل الحسين قائلا:

ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأَسَلْ

لأهلُّوا واستهلُّوا فرحًا * ثم قالوا: يا يزيدُ، لا تَشَلّ

قد قتلنا القِرْم من ساداتهم * وعدلناه ببدر فاعتدلْ

لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل

حياة الإمام الحسين 187:2 و377:3)

أصل هذه القصيدة لعبدالله بن الزبعري، إلا أنّ إنشادها من قبل يزيد في ذلك الموقف ينم عن اعتقاده بمضمونها. وفي أعقاب الترنّم بهذه الأشعار نهضت العقيلة زينب عليها السلام وألقت خطبتها التي ابتدأتها بالآية الشريفة: "ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون" (الروم: 10)، وتلت أيضا ضمن حديثها: "وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير