تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويمكن القارئ الرجوع إلى دراسة مطولة لى فى هذا الموضوع منشورة فى بعض المواقع المشباكية عنوانها: "القرآن وأُمَيّة بن أبى الصلت: أيهما أخذ من الآخر؟ "، بيَّنْتُ فيها بالدليل الصارم القائم على وقائع التاريخ وتحليل النصوص واستشفاف الجو النفسى والاجتماعى فى ذلك العصر أن من المستحيل القول باقتباس القرآن من شعر أمية، وإلا لكان قد فضح النبىَّ عليه السلام هو ومن يشايعه على موقفه من مشركين ويهود، وبخاصة قومُه بنو ثقيف الذين دخلوا جميعا الإسلام ولم نسمع من أى منهم ولا حتى من أقرب المقربين إليه كأخته أو أبنائه أن هناك تشابها (مجرد تشابه!) بين شعره وبين القرآن الكريم، وأنه إذا كان لا بد أن نقول بالتشابه بين شعره وبين كتاب الله فلا بد أن يكون هو المقتبس من القرآن لا العكس. لكن القمنى قد تلاعب بالنص الذى نقله من كتاب "المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" بحيث يبدو وكأن جواد على يقول بتأثر القرآن بشعر الشاعر الثقفى كما ذكرنا، وهو ما يجده القارئ مفصَّلا فى كتابى: "اليسار الإسلامى وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة" (مكتبة زهراء الشرق/1420هـ- 2000م/ 72 وما بعدها).

وهناك تدليس آخر يتعلق بدين عبدالمطلب، ذلك الذى جعله الكتاب الذى يحمل اسم القمنى حنيفا من الحنفاء بل زعيمهم وأستاذهم جميعا، كما يتعلق فى نفس الوقت بالدين الذى مات عليه ابنه أبو طالب عم الرسول وحاميه. ولسوف نعرض الأمر بتمامه حتى تتضح الصورة اتضاحا كاملا. لقد أكد القمنى أن عبد المطلب كان يتمتع ببصيرة سياسية عميقة لا تبارَى، وأنه استطاع أن يقرأ الواقع القراءة التى تبلّغه مطمحه فى إنشاء دولة لبنى هاشم، فتوسل بالدين إلى درك هذا الهدف، وشرع يتخذ من الخطوات الميكافيلية ما يوصله إليه، فادعى أن هاتفا أتاه فى المنام وأمره أن يحفر زمزم. كما أسس حركة الحنفاء حتى يعيش الدور كما ينبغى. ثم نقل البلبوص عن ابن كثير بعض النصوص.

يقول القمنى: "ويتضح لنا وعي عبد المطلب بن هاشم السياسي وبعد نظره وحسه القومي في قيادته وفدا إلى اليمن برفقة ابن أخيه أمية ... وحلفائه: أبو زمعة جد أمية بن عبد الله بن أبي الصلت ... وخويلد الأسدي بن أسد بن عبد العزي. ومن الواجب ملاحظة امتداد ذلك التحالف في زواج حفيد عبد المطلب، النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من السيدة خديجة بنت خويلد الأسدي رضي الله عنها، في الوقت الذي استمر فيه على التكتيك الهاشمي بأن سار على السنة الكريمة المعطاء بالجود حتى لقبه الناس: شَيْبَة الحمد. لكن الجديد في أمره هو عمله على وضع أيديولوجيا متكاملة لتحقيق أهداف حزبه، فكان إدراكه النفّاذ لسُنّة جَدّه قُصَيٍّ الدينية والسياسية مساعدا على تحديد الداء ووصف الدواء. والداء فُرْقَةٌ قبلية عشائرية، والأسباب تعدد الأرباب وتماثيل الشفعاء. ومن هنا انطلق عبد المطلب يضع أسس فَهْمٍ جديد للاعتقاد، فَهْمٍ يجمع القلوب عند إله واحد، ويتميز بأنه يلغي التماثيل والأصنام وغيرها من الوساطات والشفاعات لأنه لا يقبل من أحد وساطة ولا شفاعة إلا العمل الصالح. وتمهيدا لما أزمع أعلن في الناس أنه بينما كان نائما في الحجر بالكعبة أتاه رَئِيٌّ وغَتَّهُ ثلاث مرات، وأوحى إليه الأمر بحفر البئر المعروفة باسم "زمزم". وتقول كتب الأخبار الإسلامية إنه لجرهم بين صنمي إساف ونائلة دفنتها حين تركت مكة. نعم لقد تمثل تنافس بني العمومة من قبل في احتفار الآبار جذبا للقبائل وقوافل التجارة: فقديما حفر عبد الدار أم جراد. ولما حفر عبد شمس الطويّ رد عليه هاشم بحفر بدر، فزاد أمية في الكرم وحفر الحضر، فرد عليه عبد المطلب بحفر زمزم. لكن زمزم ليست ككل الآبار، فهي البئر الوحيدة التي قيل فيها إنها حفرت بأمر غيبي في حلم عبد المطلب، إضافة إلى ما شاع يتردد حول أمرها. فهي فعل إلهي لا إنساني فجرها الله قديما تحت خد إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام ليشرب وأمه منها. وفي ذلك يقول ابن هشام في السيرة: "فَضْل زمزم على سائر المياه: فعفت زمزم على المياه التي كانت قبلها يسقي عليها الحجاج، وانصرف الناس إليها عليهما السلام". ويقدم لنا ابن كثير نص هذا الأمر أو الوحي بحفر زمزم، و هو "احفر زمزم. إنك إن حفرتها لن تندم. هي تراث من أبيك الأعظم. لا تنزف أبدا ولا تزم. تسقى الحجيج الأعظم. مثل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير