تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهي رواية لم يخرجها أحد من أهل الصحة ولا رواها ثقة بسند سليم.

والحق أن روايات هذه القصة مضطربة جداً وهي مختلفة الأشكال والتعابير والكلمات والأحوال؛ فمرة قال النبي صلى الله عليه وسلم تلك العبارة في الصلاة، ومرة في نادي قومه، ومرة حين أصابه النعاس، ومرة حين سها، ومرة حدّث بها نفسه، ومرة قالها الشيطان، ومرة قرأها النبي صلى الله عليه وسلم، والعبارة التي فيها الغرانيق أيضاً مختلفة متنوعة؛ فمرة (تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى)، ومرة (الغرانقة العلا إن شفاعتهم لترتجى) ومرة (أنها لهي الغرانيق العلا) ومرة (تلك الغرانيق العلا منها الشفاعة ترتجى) ولهذا قال ابن خزيمة عن هذه القصة: (إنها من وضع الزنادقة).

ولكن ابن حجر قد ردّ رداً شديداً على من ذهبوا إلى أن القصة لا أصل لها؛ فذهب إلى أن لها أصلاً وفيها من الأحاديث المراسيل ما يقوي بعضها بعضاً، وقد قال البزار بعد أن ذكر حديثاً في الغرانيق هذه: (لا نعلمه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل يجوز ذكره إلا بهذا الإسناد) وهو: عن يوسف بن حماد عن أمية بن خالد عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، ولهذا قال ابن حجر (وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإما منقطع، لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا).

إلا أن رواية البزار هذه قد تفرّد بنقلها مسندة أمية ابن خالد، أما غيره فيرويها عن سعيد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر ابن عباس؛ إلا أن رواية البزار نفسها قد ضعفها القاضي عياض لأنه قد وقع الشك فيها وما وقع فيه الشك فلا يوثق به ولا حقيقة معه.

إلا أن ابن حجر قد ذهب إلى أنه لا ضعف فيها أصلاً وأوهم السيوطي كذلك بصحتها؛ إذ ذهب إلى أنها رويت (بسند رجاله ثقات) فأوهم أنها غير معلولة

ولكن عند النظر بدقة في كلام ابن حجر يتبين أنها عنده أيضاً غير موصولة، إذ لو كانت موصولة لجعلها عمدته فردّ بها على القاضي عياض، ولكنه ذكر أن كل الروايات في هذه القصة (مراسيل)؛ ولهذا ذكر عند رده على القاضي عياض في هذا الحديث أن غايته أن يصير مرسلاً وهو حجة عند عياض وغيره ممن يقبل مرسل الثقة وهو حجة إذا اعتضد عند من يرد المرسل وهو إنما يعتضد بكثرة المتابعات؛ وبهذا فقد سلّم ابن حجر بأن الحديث مرسل ولكن ذهب إلى تقويته بكثرة الطرق، ولهذا يقول الألباني عن ذلك الحديث (وبالجملة فالحديث مرسل ولا يصح موصولاً عن سعيد بن جبير موصولا بوجه من الوجوه)، والحق أن الحديث المرسل ليس حجة عند المحدثين، إذ لا تقوم الحجة إلا بالأسانيد المتصلة؛ ولهذا فإن اتصال الإسناد من شروط صحة الحديث؛ يقول الإمام الترمذي: (والحديث إذا كان مرسلاً فإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث) وقال الحاكم: (المراسيل واهية عند جماعة أهل الحديث)

ورغم أن ابن حجر قد اشتد على القاضي عياض وابن العربي وغيرهم وشنّع القول عليهم إلا أنه وافقهم فقال بما قالوا به في قصة الغرانيق هذه، إذ ذهب أولا إلى أن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دلت على أن للقصة أصلا، ويبدو واضحاً تأثير الصنعة الحديثة في هذا القول؛ إلا أن الألباني قد رد عليه من داخل الصنعة نفسها فذهب إلى أن القاعدة التي أشار إليها ليست على إطلاقها وقد نبه على ذلك غير واحد من العلماء المحققين، وتلك الطرق كلها ضعيفة فلا يقوى بها هذا الحديث أصلا

وبعد الخلاف الطويل العريض ذهب ابن حجر إلى ضرورة عدم حمل الحديث على ظاهره؛ لأن هذا الكلام الذي فيه الغرانيق لا يمكن إطلاقاً أن يقع من النبي صلى الله عليه وسلم لا عمداً ولا سهواً؛ ثم مال إلى قول مخالفيه وهو أن الشيطان قد تكلم في سكتة من سكنات النبي صلى الله عليه وسلم بين الآيات والفرق بين ابن حجر ومخالفيه أن المخالفين قد أنكروا القصة من حيث أصلها وهو قد أنكرها بتأويلها، ولهذا كان موقفه ضعيفاً في الرد عليهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير