وبهذا فقد انهار أقوى دليل من أدلة الغرانيق هذه، أما الروايات الأخرى فضعفها وما فيها من إرسال ووهن مغن عن تفصيل الحديث عنها، فروايات الطبري فيها من الضعفاء والمدلسين أبو معشر وابن إسحاق وأبو معاذ سليمان بن أرقم ورواية الطبراني فيها ابن لهيعة ورواية ابن مردويه عن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وهو طريق ضعيف جداً، وهو ما سماه بعض العلماء بسلسلة الكذب، ورواية ابن سعد فيها محمد بن عمر الواقدي ولهذا قال النحاس فيها: (هذا حديث منقطع لا سيما من حديث الواقدي)
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:08 ص]ـ
نقد القصة:-
إن تلك الروايات التي تذهب إلى أن الشيطان قد أجرى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم عبارات الغرانيق تلك قد رفضها العلماء ورد عليها جماعة منهم؛ نحو أبي بكر بن العربي والقاضي عياض وفخر الدين الرازي والقرطبي والبدر العيني والألوسي والإمام محمد عبده، وقد أفرد الألباني لهذه المسألة رسالة مهمة خاصة سماها: (نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق) والحق أن هذه القصة الواهية تكذبها أمور كثيرة؛ منها الآتي:-
- لو تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العبارات وفيها من مدح الأصنام ما فيها لانفصمت عرى الدين ولانفض الناس من حوله ولانتصرت قريش واليهود الذين كانوا يتربصون به وبدينه الدوائر.
- ذكر ابن عطية أن سبب نزول سورة النجم أن المشركين قالوا أن محمداً يتقوّل القرآن ويختلق أقواله، فمن المستحيل جداً والأمر كذلك أن تنزل السورة لتنزهه عن ذلك فيقع فيها ما نزهه الله عنه.
- سورة النجم هذه نزلت بعد سورة الإخلاص التي تدعو إلى التوحيد الخالص، وسورة النجم قد جاءت معضدة لذلك، وسورة الكافرون كانت قبل الإخلاص بسورتين – إذ بينهما المعوذتان - وقد أنزل الله الكافرون بسبب أن قريشاً قالت للنبي نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة فجاءت السورة مؤكدة الرفض القاطع، فكيف ينزل بعدها ما يوحي بمدح الأصنام، وهذه السورة المكية سلسلة من تأكيد التوحيد وتثبيته.
- ليس هنالك من دليل أن سورة النجم قد نزلت جملة واحدة؛ فهي قد نزلت مفرقة منجمة كغيرها من السور الكثيرة، وفي حديث البخاري وغيره أنه قرأ النجم حتى بلغ موضع السجود فيها - وهو آخرها - فلا يُتصور والحال كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ عبارة الغرانيق وحسبها جزءاً من السورة؛ خاصة وأنه حفظ السور بتمامها قبل تلك الواقعة فلا يمكن أن يلتبس ذلك عليه إطلاقاً.
- النبي صلى الله عليه وسلم له من العلم ما يتحقق به من الوحي، ولو صح أن ذلك قد تشابه عليه لارتفعت الثقة من الشرع كله ولما عرفنا حقاً من باطل.
- ذكر الله تعالى في أول سورة النجم عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ وحيه؛ وأنه لا يخرج كلامه عن الحق؛ وأكد ذلك بالقسم؛ قال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) وقصة الغرانيق لا تناسب هذا السياق الذي حاولوا إدراجها فيه، ثم إن ما جاء في نفس السورة - بعد الموضع الذي زعموا أنه ذكرت فيه هذه الفرية – هو ذم أصنام المشركين "مناة، واللات، والعزى" والإنكار على عابديها، وجعلها أسماء لا مسمى لها: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ)، وكل ذلك يكذّب هذه القصة من أساسها، ولو كانت هذه القصة صحيحة لارتبطت بما قبلها وما بعدها، ولو دخلت في هذا السياق لكان التركيب مفككاً، والكلام بعيد الالتئام، متناقض الأقسام متخاذل التأليف والنظم ممتزج فيه المدح بالذم.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:09 ص]ـ
فك الارتباط بين قصة الغرانيق وآية الحج:-
¥