- قول نيازي هذا هو قول من لا يعرف البلاغة القرآنية ولا يفهم تنوع أساليب التنزيل وطرائقه في التعبير؛ إذ قد يتوجه النهي في القرآن إلى من يستحيل أن يقع منه، والغرض من ذلك التنديد بمن وقع منه الفعل والتحذير من منهجه، ولهذا نظائر أخرى في القرآن كقوله تعالى: (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) وقوله: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ)، ومن المستحيل جدا أن يكون الشك أو الامتراء جائزا على الرسول صلى الله عليه وسلم أو واقعا منه، وهذه الأمور الفرضية المستحيلة قد تنسب إلى الله أيضا في القرآن والمراد نفيها؛ نحو قوله: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) وهذا لا يلزم منه أن يكون الولد جائزا على الله تعالى.
- التفسير الذي يميل إليه الباحث في تلك الآية هو ما يقوله سياق الآية نفسها؛ إذ نزلت هذه السورة المكية لتحكي للنبي صلى الله عليه وسلم قصة فرعون وقارون اللذين طغيا بالسلطان والمال فأهلكهما الله؛ ليبين أن متاع الدنيا قليل والآخرة هي المبتغى الأسمى، وقد بيّن لنبييه صلى الله عليه وسلم أنه إن أُخرج من أرضه فسوف يعيده الله إليها منتصرا، وهذا المعنى الذي في آخر السورة شديد الارتباط بأولها (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) ثم بين للنبي صلى الله عليه وسلم نعمته الكبرى عليه؛ حيث لم يكن يأمل في إنزال القرآن عليه ولكن فضل ربه العظيم ورحمة الكبرى قد اقتضت ذلك، ولهذا كله ينبغي له أن يتقوى على الدعوة ولا يأبه للمشركين الذين يحاولون صده عنها ثم قال: (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي لا تكن من هولاء المشركين في شيء، أي لا تطعهم في شيء صغر أو كبر قل أو كثر؛ ويفسر ذلك: (فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ) أي لا تكن لهم معاونا فلا ارتباط لك معهم في شيء.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:13 ص]ـ
فك الارتباط بين هذه القصة وآية طه:-
ذهب هبة الله ابن سلامة إلى أن قصة الغرانيق هذه قد كانت سبب نزول قوله تعالى: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تلك الغرانيق العلا) فاغتتم فأنزل الله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) ثم نزل: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) ثم نزل: (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى) فنسخ كل ذلك وهذا قول ظاهر البطلان؛ وذلك للآتي:-
- غرام هبة الله بالنسخ جعله يقول في كتابه ما ليس مقبولاً؛ ولهذا قال ابن الجوزي: (ومن قرأ كتاب هبة الله المفسر رأى العظائم)
- ليس لهبة الله دليل على ما ذكر إطلاقا.
- سورة الحج مدنية؛ فجعلها ابن سلامة نازلة قبل طه والأعلى المكيتين، والحق أن الأعلى قد نزلت قبل النجم، والنجم قبل طه، لكن ابن سلامة قد خلط ذلك خلطاً عجيباً ليخرج بقصة غير معقولة ولا مقبولة ولا دليل عليها.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:15 ص]ـ
فك الارتباط بين قصة الغرانيق ورجوع المهاجرين من الحبشة:-
ربطت بعض الروايات بين قصة الغرانيق ورجوع المهاجرين من الحبشة وإلى هذا أيضا ذهب كثير من كتّاب السير والمفسرين، إلا أن بعض الكتّاب المعاصرين قد اعترض على ذلك وذكر أن سبب عودة المهاجرين إنما كانت لإسلام عمر بن الخطاب أو بسبب الفتنة التي وقعت في الحبشة وخوف زوال ملك النجاشي الذي كان يحمي المسلمين، وهذه الآراء تحتاج لمناقشة، وتفصيل ذلك كالآتي:
أولا: رجوع المسلمين بسبب إسلام عمر ابن الخطاب فيه نظر؛ وذلك للآتي:-
- أسلم عمر بن الخطاب في ذي الحجة من السنة السادسة من البعثة وقد رجع المسلمون من الحبشة في شوال في السنة الخامسة من البعثة؛ فبين رجوع المسلمين وإسلام عمر نحو سنة وشهر أو شهرين، ومعلوم أن إسلام عمر كان بعد نزول سورة طه، وسورة النجم نزلت قبل طه.
¥