- شذ ابن الجوزي وذكر أن إسلام عمر كان في السنة الخامسة وإذا صح ذلك جدلاً لم يكن من المقبول رجوع المسلمين لأجل إسلام عمر رضي الله عنه؛ فإذا صح ذلك فإن عمر وقد أسلم فما المبرر لرجوعهم إلى الحبشة مرة أخرى.
- ما يحكى عن قوة عمر الخارقة وشدته التي تفوق التصوّر حتى يشكل حماية لكل المسلمين أمر لا يتقبله العقل؛ وقد كان في المسلمين من هم في قوته وشجاعته، إذ أن منهم من كان يتصدى له، وقد هدّد حمزة بن عبد المطلب أن يقتله بسيفه "أي بسيف عمر نفسه "إن أراد شراً بالمسلمين، وكذلك أخذه رجلان من المسلمين عندما جاء ليسلم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم أرسلوه، كل ذلك فضلاً عن وجود النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بين المسلمين، فليس بمعقول عند الباحث اختزال قوة المسلمين في عمر رضي الله عنه أو اختزال فضل عمر رضي الله عنه في قوته
- أعز الله تعالى الإسلام بعمر رضي الله عنه ليس لقوته البدنية فحسب؛ بل لما فيه من صفات الخير الكثيرة والأخلاق، وقد اعترضت عائشة رضي الله عنها على ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب) فقالت لقد أعز عمر بالإسلام (5) وقال عكرمة معاذ الله دين الإسلام أعز من ذلك، ولكنه قال: أعز عمر بالدين
- لا يتصور أن رجلاً واحداً مهما بلغ من القوة أن يرجع له القوم من ناحية، ثم إن بطش عمر وقوته وشدته وشجاعته لم يكن المسلمون في حاجة إليها في حمايتهم آنذاك؛ لأن الجهاد لم يشرع بعد من جهة أخرى.
ثانيا: رجوع المسلمين بسبب الفتنة التي وقعت بالحبشة فيه أيضاً نظر؛ لأن الله تعالى قد ثبّت ملك النجاشي والمسلمون في الحبشة، وقد شهد الواقعة ابن الزبير وأتى بخبر انتصار جيش النجاشي من الشاطئ الآخر للنيل كما ذكر البيهقي في الدلائل وأحمد في مسنده، وهذا يدل على أن المسلمين كانوا آمنين بأرض الحبشة ولم يكن هنالك من شيء يقلقهم حتى يرجعوا.
ثالثاً: رجوع المسلمين بسبب شائعة إسلام أهل مكة:
رغم أن الباحث يرفض رفضاً قاطعاً قصة الغرانيق إلا أن هناك أدلة صحيحة تدل على سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري والحاكم وأبو داود وابن حبان والبيهقي وأحمد بن حنبل وابن خزيمة، وهذه الحادثة العظيمة يمكن أن تشكل تلك الشائعة فتبلغ المسلمين فيرجعون، إلا أن هنالك أمورا تضعف ذلك أيضا؛ وذلك كالآتي:
- إن حادثة السجود هذه – عندما من يربطها بهجرة الحبشة الأولى - قد وقعت قي رمضان من السنة الخامسة وكان رجوع المسلمين في شوال من السنة نفسها و هذه فترة قصيرة جداً لا يتيسر فيها وصول الخبر إليهم ثم مجيئهم، ولكن إذا كانت مكة قريبة من الحبشة (السودان) كما زعم العلامة عبد الله الطيب والبرفيسور حسن الفاتح قريب الله أو أرتريا كما زعم غيرهما - فإن تجاوز البحر عرضا يستغرق يومين أو ثلاثة بالريح المعتدلة آنذاك ولكن المسافة وإن كانت قريبة – فرضا – فإن شيوع الخبر حتى وصوله الحبشة وعزمهم على الرجوع وتشاورهم ثم الشروع في الرجوع يستغرق زمنا.
- الهجرة إلى الحبشة كانت في السنة الخامسة من البعثة، وسورة النجم – التي وقع السجود عند تلاوتها كما في الروايات الصحيحة - نزلت بعد السنة العاشرة من البعثة أو خلالها؛ لأنها تحكى ما شاهده النبي صلى الله عليه وسلم في معراجه.
ولا شك أنه لا يمكن إطلاقا تفسير رجوع المسلمين دون معرفة أثر هذا الدين العظيم في نفوسهم ومعرفة أحوالهم آنذاك، والحق أن المسلمين كانوا يحبون هذا الدين العظيم - الذي لم تكتمل شرائعه بعد - حباً شديداً، ولم يكن يصلهم - وهم في الحبشة - ما ينزله الله من قرآن وما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم من أحكام وإرشادات وتوجيهات طوال هذه الأشهر الثلاثة؛ فتشاوروا فرجعوا؛ خاصة وأنه كان لهم إخوان يعذّبون في مكة فآثروا العذاب؛ بل إن بعض المسلمين بعد الرجوع دخلوا في جوار بعض المشركين فلما رأوا إخوانهم يعذّبون ردوا جوارهم وآثروا العذاب؛ كعثمان بن مظعون الذي رد جوار الوليد بن المغيرة، ومما يدل على أنهم لم تكن تصلهم أحكام هذا الدين أن عبد الله بن مسعود في الهجرة الثانية عندما جاء من الحبشة سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، ولم يكن يعلم أن الكلام في الصلاة قد منع كما روى البخاري والبيهقي؛ فحب هذا
¥