الدين والرغبة في تعلمه وحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كان أقوى عند المسلمين من حبهم لأنفسهم فآثروا العذاب فرجعوا حتى أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعودوا إلى الحبشة تارة أخرى لما ازداد البطش وفاق التصوّر، ولهذا المواقف نظائر أخرى عند الصحابة رضوان الله عليهم.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:16 ص]ـ
استحالة تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بالغرانيق:-
رغم عدم ارتباط آية الحج بهذه القصة كما سبق؛ إلا أن كثيراً من العلماء والمفسرين قد ربطوهما ببعضهما، وقد ذهبت جل روايات الغرانيق إلى أن الشيطان قد تكلم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم حتى روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال – وحاشاه-: (افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل وشركني الشيطان في أمر الله) وذهب الإمام الزمخشري إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سها وغلط وقال آخرون كان ناعساً وكل هذه الفظائع فيها نظر كبير؛ وذلك للآتي:-
- الشيطان لا يستولى على النبي صلى الله عليه وسلم لا يقظة ولا مناماً ولا نعاساً، إذ أن النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم هو الذي له سلطان على الشيطان لا العكس، وقد قال الله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ) وإذا لم يكن للشيطان سلطان على الذين آمنوا فمن باب أولى أن لا يكون له سلطان على النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سُلّط على الشيطان لا الشيطان قد سُلّط عليه، إذ أعانه الله على قرينه فأسلم كما روى مسلم وأحمد، وهو قد كاد يخنق الشيطان ويربطه بسارية في المسجد كما روى البخاري ومسلم
-رفض القرطبي وابن عادل رفضا قاطعا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ناعسا أو ساهيا فيتكلم بالغرانيق؛ وقد ذهب القرطبي إلى أن ضعف الحديث مغن عن كل تأويل، وذهب ابن عادل أنه إذا جاز عليه السهو في هذا الموضع لجاز عليه في مواضع أخرى وحينئذ تزول الثقة عن الشرع، وهو لو سها فرضاً – وهذا محال – فإنه كان سوف يصحح ذلك
- ذهب ابن حزم إلى أن تلك الروايات التي تذكر أن الشيطان تكلم بلسان النبي صلى الله عليه وسلم كذب محض، والكذب لا يعجز عنه أحد
- كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يدر أن ذلك من الشيطان حتى عرّفه جبريل فأمر في غاية البعد والاستحالة والشذوذ، وقد رفض ابن العربي ذلك وذهب إلى أن حثالة أمة النبي صلى الله عليه وسلم يعرفون أن ذلك ليس بقرآن فلا يمكن بحال أن يخفى ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم نفسه
- كون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك عمداً ليتقرب إلى قومه ويجذبهم إلى الدين هو أبعد الأقوال وأشنعها وأكثرها بطلاناً، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أفنى عمره في الدعوة إلى التوحيد وهو لا يجامل في ذلك أحدا ولا يخاف لومة لائم ولا عداوة عدو، وكسب رضا الله عنده كان أكثر أهمية بكثير من رضا أعدائه.
ولما كان الأمر كذلك فإن هنالك طريقين لهذه القصة – إن فرضنا وقوعها - هما:-
- الأول أن يكون الشيطان هو الذي تكلم بين الآيات وحاكى نغمة النبي صلى الله عليه وسلم بين السكتات بعد الفواصل كما قال أكثر العلماء، وقد ضعف الرازي ذلك
- الثاني أن يكون الشيطان قد ألقى للمشركين بتلك العبارات دون أن يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون في تلك اللحظة، فالأمر بين الشيطان والمشركين ولا علاقة له البتة بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من المسلمين وقد وردت روايات تؤيد هذا الاتجاه
ورغم أن القائلين بالرأي الأول هم أكثر العلماء إلا أن الباحث يرجح الرأي الثاني كما سيأتي.
الأمر كان بين الشيطان والمشركين ولا علاقة له بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بآية النجم:-
ذكر ابن الكلبي في كتاب الأصنام وياقوت الحموي وابن حجة الحموي أن قريشاً كان تطوف بالبيت وتقول:
واللات والعزى
ومناة الثالثة الأخرى
تلك الغرانيق العلا
منها الشفاعة ترتجى
فنزلت آية النجم تذم الأصنام
¥