يؤخذ من دراسة كتابات الآباء (جيروم، رسالة 107) أن من كان ينضم إلى جماعة مثرا لا يستطيع أن يدخل دفعة واحدة، بل عليه أن يمر في سبع درجات متتالية، هي سبع أبراج الكواكب، تمر فيها الروح حتى تصل إلى نهاية الرؤيا والمجد الأعظم. وهذه الدرجات حسب ترتيبها هي: الغراب – العريس – الجندي – الأسد – الفارس – مخدع الشمس – الآب. وعلى المؤمن، عندما يصل إلى درجة معينة، أن يلبس لباساً خاصاً بها، فمثلاً عندما يصل إلى برج الجندي فإنه يلبس لباس الجندية ثم يدخل إلى كهف عسكري ويمسك بسيف يضعه على رأسه، ثم يرفعه ويضعه على كتفه ليظهر أن مثرا هو تاجه ومجده، وأنه هو جنديه وشهيده إذا لزم الأمر، ثم يسام على جبهته بعلامة بقضيب محمي بالنار، وبعد ذلك يسمى بالخادم. وعندما يصل إلى برج الشمس فإنه يسمى شريكا، وعندما يصل إلى نهاية يدخل في عهد السرية التام.
وإلى جانب هذه الرحلة الدينية عليه أن يقوم بطقوس أخرى. فهناك المعمودية بالتغطيس لإزالة ثقل الخطية والتطهير من الشر، وبعد المعمودية يولد الإنسان ولادة ثانية.
وهناك مائدة مثرا وهي مائدة مقدسة يأكل منها مع الإله مثرا ليشترك في خبرة الإله .... موته وقيامته.
وعندما يصل إلى برج الأسد فإنه يتناول الخبز والخمر المقدس. وعيد مثرا هو يوم 25 ديسمبر وهو عيد قيامة الشمس، فإن الناس قديماُ كانت تظن أن الشمس تسير في طريها إلى الموت حتى تصل إلى أقصى الضعف يوم 21 ديسمبر ثم تبدأ بعد ذلك في الحياة.
هذه هي ديانة مثرا وفيها نجد التشابه الكبير بينها وبين المسيحية في الطقوس: المعمودية والولادة الثانية والأكل مع الإله واختبار الموت والقيامه مع الإله. ولكن ماذا يميز المسيحية عن المثرائية؟ إن الفرق العظيم الذي يكون فجوة لا تعبر بين الإثنين هي أن المسيحية ديانة بنيت على حقيقة تاريخية ملموسة .. ومركزها هو شخص عاش في التاريخ مات وقام ... عرفوه ورأوه ولمسوه وشهدوا له بحياتهم. أما ديانة مثرا وغيرها فهي ديانة طقسية بنيت على أسطورة لا أساس تاريخي لها .. هي من خيال الإنسان الذي يريد الخلاص.
(2) الغنوسية: هي حركو دينية اختلطت فيها مجموعة من الظواهر والمعتقدات، ظهرت بوضوح في القرن الثاني الميلادي، واستمرت إلى القرن الرابع بل والخامس ولكن هذا لا يعني أنها ظهرت فجأة، بل كانت لها جذورها التي بدأت تنمو وتتكون قبل هذا الوقت بكثير.
والمصدر الأساسي الذي نعرف منه الغنوسية هي كتابات جماعات من الناس متفرقة وغير مرتبطة، حرمتها الكنيسة باعتبارها جماعات هرطوقية.
وقد فقدت كتابات كثيرة منها ولم نعرف عنها شيئا سوى من كتابات الآباء الذين كانوا يردون عليهم ويفندون آرائهم. ولكن العصر الحديث كشف عن كنز ثمين من أوراق البردي في منظمة نجح حمادي هي عبارة عن كتابات كثيرة غنوسية. منها مثلا "إنجيل الحق" وغيره، فألقى نوراً واضحاً على عقائدهم وآرائهم.
ونظراً للأفكار الكثيرة الغير مترابطة، والاختلافات المتعددة التي تصل إلى حد التناقض في كتاباتهم، فلا يمكننا أن نعمل دراسة منظمة عن أسلوب التفكير والحياة فيها، ولكننا مروراً عابراً على بعض أوجهها المختلفة التي ظهرت. هناك مجموعة من النظم والمظاهر فيها منها:
1. الغنوسية السريانية:
وتنسب إلى سيمون ماجوس. ولقد اعتبر سيمون نفسه الثالوث القدس وأنه هو الذي يخلص أتباعه بنعمته وليس بأعمال الناموس. واستشهد بما جاء في (أفسس 2:8 9). ويظن أتباعه أنه نزل من السماء. وقد تطرف تلاميذه فظهر واحد منهم اسمه ميناندر Menandor قال أيضاً إنه نزل من السماء وأوجد نظام المعمودية السحرية التي توجد الشباب الدائم.
وقد ظهرت نسخة أخرى من هذه العقيدة في أنطاكية صاحبها رجل اسمه ستورنيس Saturenius الذي قال إن الإله الأعلى مجهول، وقد خلق كائنات روحية التي خلقت العالم. وقد رأت هذه الكائنات صورة مضيئة آتية من السماء فأرادوا تقليدها ولكنهم لم ينجحوا في ذلك إلا بعد أن انطلقت شرارة سماوية فأعطت الحياة لما عملوه. هذه الشرارة هي العنصر السماوي الذي يجب أن يخلص من شر المادة. وقد جاء المسيح لكي يخلص هذا العنصر السماوي. ولم يكن هذا المسيح إلا جسداً ظاهراً فقط. وقال ميناندر إن الناموس قد أعطى بواسطة الملائكة الذين ألهموا الأنبياء.
¥