تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلماذا لمز النبىَّ فى مسألة المعجزات ما دامت هى فى نظره معيبة إلى هذا الحد؟ عجيبة!

وفى ص229 نجد عِبْس يعترف بأن القرآن كان عامل تقدم وحضارة فى بدء أمره، إلا أنه فى عصور التخلف كان عامل انحدار. ونحن لا نشاح فى أن المسلمين فى العصر الحاضر بوجه عام قد بلغوا من الهوان والتخلف والبلادة مبلغا يطير النوم من العين بل يبعث على الجنون، وهو ولا هم هنا، وهذا ما يزيد المسألة تعقيدا ويملأ القلب "هما وغما"، ولولا الإيمان بالله لقلنا: "ويأسا" أيضا، لكن القرآن ليس هو السبب، فنصوصه باقية كما هى لم تغيَّر ولم تحرَّف، بل المسلمون هم الذين تغيروا. وهناك أسباب لذلك بعضها خارج نطاق إرادتهم، وبعضها يدخل فى نطاقها. لكن ما من شىء فى نهاية المطاف فى هذه الدنيا إلا ومن الممكن تغييره إلى الأفضل بالعزم والإرادة والعلم والعمل ما دام لا يناقض ناموسا من نواميس الحياة. فهل يكذّب قومنا ظننا ويفعلونها ويشمّرون عن ساعد الجد ولا يُشْمِتون بنا من يساوى ومن لا يساوى ويعملون على الخروج مما هم نائمون فيه من المجارى المنتنة ويكونون عظاما كأجدادهم يوم كانوا متمسكين بالقرآن المجيد؟

إن الإسلام نظام من القِيَم الحضارية هدفه ترقية الحياة وتهذيبها وإسعاد البشر، ولا بد من تطبيقه إن أراد المسلمون أن يخرجوا من الدائرة الملعونة المشؤومة التى يتحركون فيها إلى الخلف، على حين تقفز الدنيا من حولهم إلى الأمام قفزا وتثب إلى الأعالى وثوبا. ومن غير المتصور أن يقف الشعب سلبيا تجاه ما يحيط به من مشاكل، منتظرا أن يحلها له حلال ليأتى شخص سخيف خفيف العقل مثل عباس الملتاث فيتهم الإسلام بأنه صار معوقا لأتباعه عن الحضارة والتقدم. إن الشعوب المتحضرة فى الدنيا كلها تعرف أنه لا يمكنها نيل حقوقها إلا إذا تحركت وطالبت وناضلت، وإلا فسوف تظل الأمور على ما هى عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى الانتحار أو خبط رأسه فى أقرب جدار. ومن جهة أخرى لا يمكن تطبيق الإسلام بقِيَمه وتشريعاته وحدوده ما لم يقتنع الناس أنه لا بد من تطبيقه، لا كلاما وشعارات شبعنا منها ومن سخافاتها وتفاهاتها وخلوها من المضمون، بل حقا وصدقا ينبعان من العقل والقلب ويتبديان فى الوقوف صفا واحدا ضد كل من يفكر فى النيل من هذا الدين وإفراغه من حقيقته. بغير هذا سوف نعطى الأعداء الفرصة للزعم بأنه دين لا يهتم إلا بالشكليات التى لا تؤكّل عيشا، بينما الجوهر مغيَّب، والقيم الحضارية العبقرية التى يتضمنها هذا الدين العظيم معطَّلة!

المجتمع المسلم هو المجتمع المتقدم علميا وزراعيا وصناعيا وتجاريا وعسكريا ورياضيا وفنيا، وله كلمة محترمة نافذة فى المحافل الدولية، وبغير ذلك لا يمكن أن أصدّق أنه مجتمع مسلم حقا. ليس من المعقول أن يظل المسلمون مرتعبين فزعين من أمريكا وإسرائيل لا يدرون ماذا تنويان أن تفعلا بهم، وينحصر كل همهم فى الأزمات أن تمر الأزمة على خير ظنا منهم أنها متى مرت على خير فقد نجَوْا، ثم يفاجَأون بأنه لا الأزمة مرت على خير ولا أنها آخر الأزمات والكوارث. إن مجتمعات مثل هذه هى أبعد ما تكون عن الإسلام، وإن صَلَّتْ وصامتْ وحَجَّتْ وأطلق رجالها لحاهم وتحجبت نساؤها، رغم أهمية الصلاة والصيام والحج والحجاب.

ألم يقل الله تعالى فى كتابه المجيد: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"؟ فكيف إذا لم تنه الصلاة صاحبها عن الفحشاء والمنكر ولم تزرع فى رُوعه التقوى الحقيقية التى تدفع المصلى دفعا إلى أن يكون إنسانا متحضرا قويا محترما هو والمجتمع الذى ينتمى له؟ أليس رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام هو القائل: "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ! وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر! "؟ ألا نقرأ فى القرآن أمره سبحانه وتعالى لرسوله: "وقل: رب، زدنى علما"؟ فلماذا إذن لا نطلب من ربنا زيادة نصيبنا من المعرفة والعلم، ونفضّل الجهل ونكره القراءة والكتاب كراهية العمى، وكأن القرآن والرسول قد نهيانا نهيا باتا لا مثنوية فيه ألا نقارب العلم أو أن نقترف منه شيئا حتى لا ينجّسنا؟ ألم يقل الرسول لنا: "من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يرجع"، و"إن الله عز وجل أوحى إليّ أنه من سلك مسلكا فى طلب العلم سهّلتُ له طريق الجنة"، و"فضلٌ في علمٍ خيرٌ من فضلٍ في عبادة"؟ فما بال الطلاب العرب والمسلمين لا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير