تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يسعون فى طلب العلم بدلا من قراءة الملخصات وحفظها دون فهم والاستعانة بالغش فوق ذلك، وكأن العلم يصلح مع الغش؟ ألم يعلمنا الرسول أن "الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"؟ فلماذا كان إنتاجنا رديئا، وصُنّاعنا وحِرْفِيّونا متعجلين كأن عفريتا يركبهم، ومدلّسين لا يؤدون عملهم على شىء من الإتقان إلا إذا وقفنا على أيديهم وفنجلنا أعيننا على الآخِر كما يقول التعبير العامى؟ أليس من الحكمة النبوية والتحضر الإسلامى أن "إماطة الأذى عن الطريق صدقة"؟ فلماذا تنفرد شوارعنا بهذه الوفرة الوفيرة بكل ألوان الأذى: من أذًى صوتىّ إلى أذًى بصرىّ إلى أذًى شَمِّىّ إلى أذًى نفسىّ إلى أذًى عقلىّ، وكأنه عليه السلام قد أمرنا بملء الطريق بالأذى والعدوان؟ والله إنى لأتصور أنه عليه السلام لو كان أمرنا بملء الطريق أذى وعدوانا ما اهتممنا بأن تكون شوراعنا بهذه القذارة والتشويه الذى هى عليه! ألم يأمرنا القرآن فى كثير جدا من آياته بالصبر؟ فلماذا لا يكون منّا صبرٌ إلا على المذلة والإهانة والجهل والتخلف أو المكر والتآمر، لا على بذل الجهد فى ميادين المجد والكرامة والإبداع والإتقان؟ إننا الآن فى مفترق طرق، وأخشى ما أخشاه إن ظللنا على بلادتنا وتفاهة اهتماماتنا ورضانا بالمذلة والخنوع لكل مستبد غشوم وبُغْضنا للعلم والقراءة واعتمادنا فى تسيير أمورنا على الفهلوة والبكش أن نكون قد حفرنا كأمةٍ قبورنا بأيدينا، وصعَّبْنا فوق ذلك على أنفسنا حساب يوم الدين، وعندئذ نكون لا دنيا أَحْرَزْنا، ولا آخرةً كَسَبْنا!

على كل حال من الواضح أن عِبْس لا يهمه إلا أن نكون تابعين للغرب، وأنه لا يبالى بتقدمنا فى قليل أو كثير. والغرب يستعمل أمثاله مطايا يركبونها فى سبيل سحق مقاومتنا له ولمخططاته. إننا فعلا وحقا وصدقا متخلفون، وأول مظاهر تخلفنا هو أننا لا نعمل بما فى القرآن من دعوة إلى استخدام العقل، وإلى السعى فى سبيل العلم، وإلى العمل والإنتاج والإبداع، وإلى النظافة والنظام والإتقان والجمال وما إلى هذا. وهذه المبادئ ما زالت موجودة فى القرآن، ومازالت لها قيمتها المطلقة التى لا تتوقف على عصر دون عصر كما يريد أن يوهمنا ابن القديمة حين يطالبنا بالتمرد على القرآن، الذى كان، كما يزعم، ثورة فى الماضى ثم أصبح حجر عثرة الآن. الطريف المضحك أن مقدم الكتاب (ص6) قد برَّأ القرآنَ وبرَّأ اللهَ مما حدث لعباس الخناس من كفر وتمرد، إذ حصر المسؤولية فى المسلمين.

هذا، وقد رأينا قبلا كيف سد الكاتب كل الطرق فى وجه نفسه حين صور الله فى صورة من لا يستجيب لدعاء أو نداء ولا يهتم بعباده أدنى اهتمام، فلم يعد عبد النور (أو بالأحرى: عبد الديجور) يعرف ماذا يعمل ليعالج نفسه، اللهم إلا أن يبيع بيته كما قال وينام فى الشارع هو وأولاده وزوجته. ولكن أين أملاك أسرته، ولم تكن بالأسرة الفقيرة التى يضيع ابن من أبنائها هذا الضياع المطبق، ولا بالأسرة المغمورة التى إن وقعت فى ورطة لم تجد من يتذكرها أو يمد يد المعونة إليها؟ وأين التأمين الصحى؟ بل أين ما يفعله كثير من الموظفين المصريين من طلب سلفة من البنك أو استبدال جزء من المعاش؟ إلا أنه نسى، لغبائه، أن يشرح لنا كيف حُلَّتْ مشكلته بعد إلحاده. أتراه باع ولدا من أولاده مثلا؟ أتراه قوَّد على زوجته وعالج نفسه من المرض بما كسبته من بيعها لشرفها كما فعلت بطلة فلم "أشرف خاطئة"؟ أم المقصود هو مكايدتنا بالإلحاد، والسلام؟ كذلك نسى أن يقول لنا ماذا كان رد فعل أولاده وزوجته وأسرته بعد إلحاده وتأليفه ذلك الكتاب ونشره. إن هذه ثغرات خطيرة لم يفكر فيها جيدا لأن المقصود هو إغاظة المسلمين لا غير بالحديث عن الإلحاد.

وأيا ما يكن الأمر فلا ريب أن الإيمان لا يصلح إذا اشترط صاحبه استجابة الله له فى كل ما يدعوه به وأن تكون حياته سعيدة على الدوام. ترى أى إيمان هذا؟ وكيف يمكن التمييز فى تلك الحالة بين المؤمن الحقيقى والمؤمن غير الحقيقى؟ نعم، كيف يكون إيمان دون محن وصبر؟ وكيف تُعْرَف حينئذ حقيقة إيمان فلان من علان؟ وهل هناك عالم بلا مشاكل ومتاعب وأمراض وموت وفقر؟ فأين ذلك؟ وكيف؟ ولو أن كل إنسان ابتُلِىَ فى ماله أو صحته او ولده أو وظيفته أو سمعته ولم تنقشع البلوى فى الحال عقب ابتهاله إلى الله فترك الإيمان لكفر الناس جميعا، إذ ما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير