تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لما قال هذا الكلام.

وإلى القراء الكرام هذا المثال الذى يبين لهم كيف أن الصحابة لم يكونوا يؤمنون بالإسلام إيمانا أعمى. جاء فى "صحيح البخارى: "قال لنا ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قال: قلنا: بلى، قال: قال أبو ذر: كنت رجلا من غفار، فبلَغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل كلِّمْه وأتني بخبره. فانطلق فلقيه ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ فقال: والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر،. فقلت له: لم تشفني من الخبر. فأخذت جرابا وعصا، ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد، قال: فمر بي عليٌّ فقال: كأن الرجل غريب؟ قال: قلت: نعم. قال: فانطلق إلى المنزل، قال: فانطلقت معه، لا يسألني عن شيء ولا أخبره. فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء، قال: فمر بي عليٌّ، فقال: أما نال للرجل يعرف منزله بعد؟ قال: قلت: لا. قال: انطلق معي. قال: فقال: ما أَمْرُك؟ وما أقدمك هذه البلدة؟ قال: قلت له: إن كتمتَ عليَّ أخبرتك. قال: فإني أفعل. قال: قلت له: بلَغَنا أنه قد خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه، فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه. فقال له: أما إنك قد رَشَدْتَ. هذا وجهي إليه فاتبعني. ادخل حيث ادخل،. فإني إن رأيتُ أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامض أنت. فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت له: اعرض علي الإسلام. فعرضه، فأسلمت مكاني. فقال لي: يا أبا ذر، اكتم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل. فقلت: والذي بعثك بالحق لأَصْرُخَنَّ بها بين أَظْهُرهم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فقاموا فضُرِبْتُ لأموت. فأدركني العباس فأكبَّ علي، ثم أقبل عليهم فقال: ويلكم! تقتلون رجلا من غفار، ومتجركم وممرّكم على غفار؟ فأقلعوا عني. فلما أن أصبحت الغد رجعت، فقلت مثل ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فصُنِع بي مثل ما صُنِع بالأمس، وأدركني العباس فأكبَّ علي، وقال مثل مقالته بالأمس. قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر رحمه الله".

وثم حديث يلقى بعض الضوء على موقف الإسلام من قضية الإيمان والكفر وحرية كل شخص فى اختيار الطريق التى يراها صحيحة دون أى إجبار من أحد حتى بعدما قويت شوكة الإسلام وصار قادرا، لو أراد، على أن يفرض نفسه بقوة السلاح. فعن سعيد بن جبير فى آية "لا إكراه في الدين" أنها "نزلتْ في الأنصار. قلت: خاصة؟ قال: خاصة. كانت المرأة منهم (أى من نساء الأنصار فى الجاهلية) إذا كانت نَزْرَةً أو مِقْلاتًا (أى قليلة الإنجاب) تَنْذِر لئن ولدتْ ولدا لتجعلنّه في اليهود، تلتمس بذلك طول بقائه. فجاء الإسلام، وفيهم منهم. فلما أُجْلِيَتْ النضير قالت الأنصار: يا رسول الله، أبناؤنا وإخواننا فيهم. فسكت عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت "لا إكراه في الدين". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد خُيِّر أصحابكم: فإن اختاروكم فهم منكم، وإن اختاروهم فأَجْلُوهم معهم".

كذلك يزعم عِبْس أن كتابه هو أول الكتب التى تهاجم القرآن ذاته على عكس المؤلفات السابقة، إذ كانت تلك المؤلفات تهاجم الكتب التى تتحدث عن القرآن لا القرآن ذاته. لكننا ننظر فى ص 86، و92 - 109 فنراه يذكر بعضا من العلماء القدامى الذين هاجموا القرآن. إذن فليس هو أول من هاجم القرآن، وليس كتابه أول كتاب فى ذلك المجال. بل لقد كان هجوم بعض السابقين على القرآن أعنف من هجومه لأنه استثنى القرآن المكى من انتقاده وأقر له بوجه عام بالبلاغة العالية (ص70، 114 مثلا)، أما هم فلم يستثنوا من هجومهم شيئا: لا مكيا ولا مدنيا. وبالمناسبة فتفرقته هذه بين القرآن المكى والقرآن المدنى هى تقليد ببغاوى لما يردده المستشرقون بعامة، فهو لم يأت بشىء من عنده إذن. ليس ذلك فحسب، بل نراه (ص109) يقر بأن كلامه عن القرآن مسبوق غير جديد، وإن أضاف أن طريقته فى معالجة الموضوع تختلف عما كتبه الآخرون من قبل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير