تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نعمة تمنّها عليَّ؟ فيقال: هذا استفهام كأنه قال: أتمنها عليّ؟ ثم فسَّر فقال: "أنْ عَبَّدتَّ بَنِي إسْرَائِيلَ" وجعله بدلاً من النعمة".

وفى "فتح القدير" للشوكانى: "وقيل: هو مِنْ موسى على جهة الإنكار. أي أتمنّ عليّ بأن ربيتني وليدا، وأنت قد استعبدت بني إسرائيل وقتلتهم، وهم قومي؟ قال الزجاج: المفسّرون أخرجوا هذا على جهة الإنكار: بأن يكون ما ذكر فرعون نعمة على موسى، واللفظ لفظ خبر. وفيه تبكيت للمخاطب على معنى: أنك لو كنت لا تقتل أبناء بني إسرائيل لكانت أمي مستغنية عن قذفي في اليَمّ. فكأنك تمنّ عليّ ما كان بلاؤك سببا له ... وقيل: إن في الكلام تقدير الاستفهام. أي "أَوَتلك نعمة؟ " ... قال الفراء: ومن قال إن الكلام إنكار قال: معناه "أَوَتلك نعمة؟ " ومعنى "أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْر?ئيلَ": أنِ اتخذتَهم عبيدا".

وفى تفسير سيد قطب: "فى ظلال القرآن": "ثم يجيبه (أى يجيب موسى فرعون) تهكمًا بتهكم، ولكنْ بالحق: "وتلك نعمة تمنها عليَّ أن عَبَّدْتَ بني إسرائيل"، فما كانت تربيتي في بيتك وليدا إلا من جَرّاء استعبادك لبني إسرائيل وقتلك أبناءهم، مما اضطر أمي أن تلقيني في التابوت فتقذف بالتابوت في الماء، فتلتقطونني، فأربَّى في بيتك لا في بيت أبويّ. فهل هذا هو ما تمنه عليَّ؟ وهل هذا هو فضلك العظيم؟ ".

ويقول دَرْوَزَة فى "التفسير الحديث": "وتلك نعمةٌ تمنّها عليَّ أن عبّدت بني إسرائيل: أوّل بعض المفسرين الآية بأنها تعني قول موسى: هل هذه نعمة تمنها عليّ مع أنك استعبدت قومي بني إسرائيل؟ وأوَّلَها بَعْضُهم بأنها تعني قول موسى: إن استعبادك لبني إسرائيل كان نعمة عليّ لأنه جعلني أفرّ، فرعاني اللّه وجعلني من المرسلين. ونحن نختار الأول". فالمسألة، كما يرى القارئ، لا تستدعى كل هذا اللغط الذى أراد إحداثه هذا الأحمق ظنا منه أنه سوف يبذر بذور التشكيك فى النص القرآنى. ولكن هيهات ثم هيهات! ويتبقى تفسيره للأمر بأنه من المحتمل أن يكون الكلام "بقية آية منسوخة"، وهو تفسير يدل على أنه جاهل بالثلث، إذ النسخ لا يقع إلا فى الأمور التشريعية. أما هنا فنحن إزاء وقائع تاريخية لا تقبل النسخ، لأن التاريخ قد مضى وانقضى فلا رجعة فيه، ومن ثم فلا نسخ.

وبالمثل ينتقد عِبْس الآيات التالية من سورة "الزُّمَر": "وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75) " قائلا: "هذه الآيات هى فى رأيى من الروائع لولا أن فيها عيبين شوها جمالها كفتاة رائعة الجمال نبت الشعر فى شاربها وذقنها. لكن دوران الألسنة بهذه الآيات طويلا أخفى التشويه كما تخفى المساحيق عيوب وجه الحسناء: فهناك عدم توازٍ بين الآيات التى تصف دخول الذين كفروا إلى جهنم ودخول الذين اتَّقَوْا. فعندما سيق الذين كفروا إلى جهنم ووصلوا إليها فُتِحَتْ لهم أبوابها. فالوصول أدى إلى فتح الأبواب. أى لقد جاءت المقدمة: "الوصول"، وتبعتها النتيجة فى الحال. ولكن ذلك لم يحدث ما يوازيه للذين اتَّقَوْا، فالآيات التى تصف وصول هؤلاء هى، فى الظاهر على الأقل، مجموعةُ مقدماتٍ بلا نتيجة، وإن كانت النتيجة معروفة بالاستنتاج: النتيجة فى الآيات الأولى معروفة لفظا واستنتاجا، وأما فى الآيات المتبقية فالنتيجة معروفة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير