تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

استنتاجا فقط. وبعبارة أكثر تبسيطا نجد فى آية المتقين "واو العطف" زائدة شوهت المشهد كله حتى ليظن الإنسان أن هذه الآية لا جواب لها. فى الآية الأولى يأتى الجواب فى الحال: "حتى إذا جاؤوها فُتِحَتْ أبوابها"، بينما لا جواب فى الآية الثانية لدخول حرف العطف: "حتى ... وفُتِحَتْ". فكيف انزلقت هذه الواو الثقيلة هنا؟ يقولون إنها زائدة. ولكنها زيادة على حساب أهل الجنة المتلهفين لمعرفة مصيرهم! فإذا فعلتُ ذلك أنا وأنت عُدَّ تقصيرا منا، ولكنْ إذا فعله القرآن فهو إعجاز. مسكينان أنا وأنت! " (ص160 - 161).

وأولا نتوقف لدن دعواه بأن فى الآيات "عيبين شوها جمالها كفتاة رائعة الجمال نبت الشعر فى شاربها وذقنها. لكن دوران الألسنة بهذه الايات طويلا أخفى التشويه كما تخفى المساحيق عيوب وجه الحسناء" لنلفت النظر إلى ما فيها من مغالطة، إذ يزعم أن طول الزمن وكثرة التلاوة قد غطا على عيب الآية، متناسيا بسلامته أن الآية قد استُعْذِبَتْ واعتقد المعتقدون أنها من عند الله بمجرد أن سمعوها ولم ينتظروا كل هذا الزمن الطويل حتى تصقلها ألسنتهم فى المحاريب كما يزعم الملاحدة من قديم، وإلا فكيف آمنوا بها؟ أَوَكانوا يؤمنون بها لو أحسوا فيها هذا الخطأ الذى يدعيه ذلك الأحمق؟

ثانيا يقول الأحمق إن هذه الواو قد عاقت أهل الجنة عن معرفة مصيرهم الذى كانوا يتلهفون إليه (يقصد فتح الأبواب)، مع أن هذه الواو قد قربت إليهم الأمر وأراحتهم من اللهفة لمعرفته، إذ ها هى ذى الأبواب قد فُتِحَْتْ وانتهى الأمر، فيما كان يظن الظانون، قياسا على ما حدث مع أهل جهنم، أنها لم تفتح بعد. أما أين جواب "إذا جاؤوها" فقد تركه القرآن لإثارة الخيال كى يسرح فى كل واد ويتصوره كل إنسان على النحو الذى يحب. وهذا معروف فى كل اللغات، إذ يأتى الراوى عند مفترق الطرق فيسكت كى يثير المستمع بل يشعل رغبته إشعالا. أما الأحمق فيظن أن الجواب هو "فتحت أبوابها" رغم مجىء الواو قبله، وهو ما يقول إنه يحيره. وأما نحن فنقول إن "فتحت أبوابها" معطوفة على "جاؤوها" باعتبار أن انفتاح أبواب الجنة أمر مفروغ منه، وأن المهم ليس الأبواب، بل ما بداخل تلك الأبواب، وهو ما سكتت عنه الآية عمدا كى تترك للخيال المنادح واسعة إلى غاية مداها. وذلك كقول الشاعر عبد مناف الهذلى مثلا فى ختام قصيدته:

وَلِلقِسِيِّ أَزاميلٌ وَغَمْغَمَةٌ * حِسَّ الجَنوبِ تَسوقُ الماءَ وَالبَرَدا

كَأَنَّهُم تَحتَ صَيْفِيِّ لَهُ نَحَمٌ * مُصَرِّحٍ طَحَرَت أَسناؤُهُ القَرِدا

حَتّى إِذا أَسلَكوهُم في قُتائِدَةٍ * شَلاًّ كَما تَطرُدُ الجَمّالَةُ الشُّرُدا

وكما أن هناك من يقول بزيادة "الواو" فهناك كذلك من يرى أن"إذا" فى الآية زائدة حسبما نقرأ فى كتاب "الصاحبى فى اللغة" لابن فارس: "تكون "إذا" شرطا فِي وقت مؤقت. تقول: "إذا خرجتَ خرجتُ". وزعم قوم أن "إذا" تكون لغواً وفضلاً. وذكروا قوله جلّ ثناؤه: "إذا السماء انشقت". قالوا: تأويله: "انشقت السماء" كما قال: "اقتربت الساعة" و"وأتى أمر الله". قالوا: وَفِي شعر العرب قوله:

حَتَّى إذا أسلكوهم فِي قتائدَةٍ * شلاًّ كما تطرد الجمَّالةُ الشُّرُدا

المعنى: حَتَّى أسلكوهم. وأنكر ناسٌ هذا وقالوا: "إذا السماء انشقت" لها جوابٌ مُضْمَر. وقول القائل: "حَتَّى إذا أسلكوهم" فجوابه قوله: "شَلاًّ". يقول: "إذا أسلكوهم شَلّوهم شلاًّ". وقولهم: إذا فعلت كذا".

وليس فى الآية من جهة "الواو" أو "إذا" زيادة ولا يحزنون، بل هكذا يجرى المصطلح ليس إلا. ولكننى لا أحب مع هذا استخدام مثل ذلك المصطح تجنبا للاصطدام بغباء الكاتب وأشباهه ممن طُمِسَت أبصارهم وبصائرهم فهم لا يعقلون، فيذهبون يشنعون على النصوص العبقرية لأنها لا تجرى حسبما يريد أفقهم الضيق! ولها ترانى أقول إن "الواو" هنا هى "واو العطف"، وأن "إذا" فى آيتنا هى إما للشرط أو للتأكيد، وأن "الباء" فى قوله تعالى: "وما ربك بظلام للعبيد" هى للتأكيد، وأن "مِنْ" فى قوله جل شأنه: "هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض؟ " هى لاستغراق النفى ... وهكذا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير