تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فكل شىء فيه بعد الآن متوقع منه، فلا ترى إلا فقرات تقطع حركة السياق وتوقف اندفاعه نحو بلوغ أغراضه ...

إن كل ما جاء فى القرآن بخصوص عدد الأيام التى خلق الله فيها العالم تحصر هذا العدد فى ستة أيام إلا الآية الأخيرة. كما أن جميع الايات المتعلقة بعدد أيام الخلق فى القرآن تدخل إلى الموضوع مباشرة بلا نوافل أو طفيليات ضارة إلا ههنا. فبصرف النظر عن عزلة هذه الآية وعدم ارتباطها بما قبلها وما بعدها كما عودنا القرآن فقد بدأت بداية غريبة: "قل أإنكم". فهل هذا سؤال أم إنكار أم تقرير لواقع أم ماذا؟ أفتونى فى أمرى، وأنا لكم من الشاكرين! كذلك إن هذه الآيات الأربع نشاز يجمع بين أطراف متباعدة: التعريض بالمشركين الذين يكفرون بالله، الذى خلق الأرض فى يومين، ولا يكتفون بذلك، بل يجعلون له أندادا، ثم يأتى بعد هذا بيان أن الذى خلق كل ذلك هو رب العالمين، ثم أتبع ذلك بتقوية الأرض بالجبال وتقدير أقواتها فى أربعة أيام.

وهكذا تكون الأرض وحدها قد تطلبت منه سبحانه ستة أيام عمل مستمر. وهى تستحق هذا الجهد منه تعالى نظرا إلى أهميتها البالغة فى العالم. وهذا مفهوم عند القدماء. كيف لا، وهى مركز العالم وقلبه النابض، وما تبقى فأشياء تافهة: شمس وقمر وسبع سماوات تزينها عدة مصابيح يهتدى بها الناس فى البر والبحر؟ وهذه كلها يكفيها يومان فقط بالتمام والكمال.

صدق أو لا تصدق أن خلق السماوات لم يستغرق سوى يومين ما لم تكن سماوات من كرتون، بل من ورق ضعيف القوام يفيض عن حاجة الملائكة التى لا أقدام لها كأقدام البشر ثقيلة الوزن شديدة الوقع قوية الوطء. فالملائكة لها أقدام أثيرية لطيفة جدا لا تستخدمها فى المشى، بل لها أجنحة رقيقة تغنيها عن المشى. وهذا يذكرنى بقول أحد الشعراء الفرنسيين فى وصف حبيبته هذه ترجمته:

لله ما ألطفُ أقدامِِها * تمشى على العشب فلا يشعرَا!

والخلاصة: إن الله بعد أن أتم خلق الأرض فى ستة أيام خلق السماوات السبع فى يومين، ثم نشر المصابيح هنا وهناك فى السماء الدنيا زينة لها دون السماوات الأخرى على ما يظهر، فبقيت مظلمة لأن السماوات مقر الملائكة، فهى لا تحتاج إلى مصابيح لأن الملائكة أجسام نورانية. ولعل مصابيح السماء الدنيا من الشمع. وآيةُ ذلك قِصَرُ المدة التى استغرقها خلق السماء. وختمت الآية ذلك كله بأنه من تقدير العزيز العليم، فتبارك الله أحسن الخالقين!

لقد حار المفسرون فى فهم هذه الآيات التى تتوسع فى عدد أيام الخلق فتجعلها ثمانية، وفى التوفيق بينها وبين جميع الآيات الأخرى التى تكتفى بستة أيام فقط، فقالوا إن الأيام الأربعة التى أتم الله فيها خلق الأرض يدخل فيها اليومان اللذان خلق الله فيهما الأرض. مخرج لطيف لا بأس به، ولكنه إن صح أفلا يدل على ركاكة القرآن، الذى كان فى مقدوره أن يستعمل ألفاظا أكثر وضوحا وبيانا، فعدل عنه إلى الركيك الغامض، لا سيما وأن الإبانة صفة ملازمة للقرآن تتكرر فى كل صفحة تقريبا: "بلسان عربى مبين"! " (ص162 - 164).

هذا ما قاله عِبْس! وإنى لأعجب: من أين له كل تلك الجرأة، وهو الجاهل الذى لا يفرق بين "ما أَفْعَلَ" التعجبية و"ما أَفْعَلُ" الاستفهامية، فيستعمل هذه مكان تلك كما هو واضح من تشكيله لعبارة "ما أَلْطَفُ أقدامِها" فى البيت الذى أورده للتهكم على القرآن وأسلوبه؟ إن معنى العبارة على هذاالوضع هو: "أى شىء فى أقدامها ألطف من سواه؟ "، وهو إنما يريد التعجب من لطف قدميها، فكان ينبغى أن يقول: "ما ألطفَ أقدامَها! ". ليس ذلك فحسب، بل زاد الطين بلة فنصب الفعل: "يشعرا" رغم أن حقه الرفع، فتوضع على رائه ضمة لا فتحه. ومرة أخرى ليس ذلك فحسب، بل كان ينبغى أن يقول فى الجملة التى وطَّأ بها لتلك العبارة: "وهذا يذكرنى بقول لأحد الشعراء الفرنسيين فى وصف حبيبته هذه ترجمته: ... " بإدخال "لام" على "أحد" حتى تظل كلمة "قول" منكرة فيصح نعتها بجملةِ "هذه ترجمته". ولكن متى كان الجهال يفهمون؟ إنهم لا يحسنون سوى التهكم والتهجم والتقحم الغبى ليس إلا!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير