تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما قوله: "لقد حار المفسرون فى فهم هذه الآيات التى تتوسع فى عدد أيام الخلق فتجعلها ثمانية، وفى التوفيق بينها وبين جميع الآيات الأخرى التى تكتفى بستة أيام فقط" فالرد عليه هو أن الآية تختلف تماما عن الآيات التى تتناول خلق السماوات والأرض فى ستة أيام. ذلك أن آيتنا هذه لا تتناول من ذلك الموضوع إلا خلق الأرض فى يومين، ثم تدخل عقب ذلك فى موضوع آخر هو إنشاء الرواسى من فوقها ومباركتها وتقدير الأقوات فيها فى أربعة أيام، ثم جعل السماء سبع سماوات فى يومين بعدما تم خلقها قبلا. وهكذا يتبين للقارئ أن الأيام الستة الأخيرة لا علاقة لها بخلق الكون من عدم، بل بتشكيل الجبال وتدبير الأقوات وما إلى ذلك، ومن ثم لا تضاد بين عدد الأيام فى الآية، ذلك الذى يجلعونه ثمانية بإضافة يومى خلق الأرض إلى الستة المذكورة آنفا، وبين عدد أيام الخلق فى الآيات الأخرى التى تتعرض لإيجاد الأرض والسماء من العدم. وبطبيعة الحال فإن الأيام فى الآية غيرها فى توقيت الكرة الأرضية، إذ هى هنا أحقاب تاريخية متطاولة، وليست أياما من ذوات الأربع والعشرين ساعة: "وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تَعُدّون"، "تَعْرُج الملائكة والرُّوح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة".

أما إذا أخطأ بعض المفسرين وخلط بين هذه الآية والآيات التى تتحدث عن خلق السماوات والأرض فى ستة أيام فهى جريرتهم لا جريرة القرآن ولا مسؤوليته. وفى تفسير الشيخ الشعراوى للآية الرابعة والخمسين من سورة "الأعراف"، فيما يبدو، شىء مما أشار إليه المدعوّ: عباس عبد النور، إذ يقول الشيخ: "والظاهر من آية التفصيل أنها ثمانية أيام، أما آيات الإِجمال فكلها تقول: إنها ستة أيام. ومن هذه النقطة دخل المستشرقون، وادَّعَوْا زورا أن القرآن فيه اختلاف، وحالوا أن يجعلوها ضجة عالية. ونقول: إنه سبحانه خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام كاملة بلا زيادة ولا نقصان. فالمراد أن ذلك حصل وتم في تتمة أربعة أيام. ويضم إليها خلق السم?وات في يومين، فيكون عدد الأيام التي تم فيها خلق السم?وات والأرض ستة أيام، أو نحمل المفصَّل على المجمل". فإذا كان الأمر على ما فهمتُ فيتحمل الشيخ الشعراوى مغبة تفسيره للآية الكريمة، ويبقى القرآن شامخا كحاله دائما. هذا، ونضرب صفحا هذه المرة عن ثقل ظل عباس أبى دم فطّاس مثل دم البق.

والآن نصل إلى السؤال التالى: هل هناك يا ترى أى تناقض بين قول القرآن لبنى إسرائيل فى موضع منه إن الله فضلهم على العالمين، وبين قوله لهم فى موضع آخر: "بل أنتم بشر ممن خلق" كما يزعم أبو العبابيس (ص171)؟ أليسوا فعلا بشرا من البشر الذين خلقهم الله؟ أم هم ليسوا بشرا؟ أم تراهم من خلق الشيطان؟ إن القرآن ينكر على اليهود والنصارى زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه مهما كانت تصرفاتهم واعتقاداتهم. ذلك أن حب الله لأحد من العباد يستلزم أن يستحق العبد هذا الحب، إذ لا يصلح أن ينال هذا الحبَّ شخصٌ لمجرد أنه فلان أو علان. وقد قال الرسول لعشيرته وابنته وأقربائه: اعملوا، فإنى لا أُغْنِى عنكم من الله شيئا. وفى نفس الوقت يقول القرآن: إنما يريد الله لِيُذْهِب عنكم الرِّجْس أهلَ البيت ويطهِّركم تطهيرا. نعم، ولكن بشروط، وإلا فلن يغنى الرسول عن أحد منهم شيئا.

وبنو إسرائيل قد فضلهم الله على العالمين بأن جعل منهم أنبياء كثيرين، لكنهم لم يكونوا على المستوى العقيدى والأخلاقى المنشود، فعاقبهم الله. فما المشكلة؟ كذلك وُصِف المسلمون فى القرآن بأنهم "خير أمة". إلا أن ذلك كان بشروط، ولم يكن الأمر سداح مداح. وهذه الشروط هى الإيمان بالله واليوم الآخر والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والمجاهدة فى سبيل الله. ولقد حُذِّروا من أن يسيروا فى خطا بنى إسرائيل فيتعرضوا للسخط والعقوبة. فلما فعلوا ولم يتعظوا بمصير القوم عاقبهم الله تعالى وأذلهم وأتعسهم، ونحن الآن نَصْلَى تلك التعاسة التى تمررت بها حياتنا، ولا يبدو فى الأفق أن نهايتها قريبة لأننا نصر على ما نحن فيه من بلاهة حضارية نبهنا القرآن إلى وخامة عواقبها ونهانا عن التدهدى إلى دركها الأحطّ الأسفل، فأبينا وما زلنا نأبى إلا التمسك بها كأن فيها مجد الدنيا والآخرة، على حين أن الدنيا من حولنا تتوثب حيوية وعُرَامًا، ونحن تزداد تراجعا وانحدارا، بل غوصا فى الوحل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير