تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والطين والمجارى!

ويقول أيضا "مدير" التكية سابقا إنه كان يجب أن يقال عن المجرمين فى سورة "الرحمن": "فيُؤْخَذُون بالنواصى والأقدام" بدلا من قوله: "يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ (41) "، لأن المجرمين مجرمون جمعٌ لا مجرمٌ فردٌ (ص177). وفات العبقرىَّ أن نائب الفاعل هنا ليس هو "المجرمون"، بل شبه جملة "بالنواصى والأقدام"، وهو الجار والمجرور، مثل قولنا مثلا: "سيُسْتَمَع إلى التقرير، وسيُنْظَر فى الأمر، وسيُلْجَأ إلى القضاء، وسيُفْصَل فى الخصومة ... إلخ". فماذا بالله يمكن أن يقوله الإنسان لمثل هذا المتخلف عقليا الذى يخطِّئ القرآن ويتهكم به ويصحح له لغته وأسلوبه، وهو بهذا الضعف المزرى المخزى فى اللغة وتذوقها؟

كذلك يخطئ عِبْس القرآن فى قوله عن قوم لوط: "إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العالمين" مؤكدا أن الشذوذ الجنسى قديم قدم الإنسان (ص183 - 184). لكن هل هناك دليل على ما يقول؟ إن كل ما استطعت الخروج به من المقال المخصص للشذوذ الجنسى ( Homosexuality) فى "الموسوعة البريطانية" (ط2009م)، بالنسبة إلى تاريخ ذلك الانحراف، هو أنه فى فترات وثقافات مختلفة كان الشذوذ الجنسى يحظى بالموافقة أو المسامحة أو العقاب، وأنه لم يكن مجهولا بين الرومان والإغريق. أما القول بأنه كان معروفا بين البشر منذ بدء الخليقة فليس له أى أثر فى المقال المذكور. وهذا نص ما وجدته حول هذه النقطة:

" At different times and in different cultures, homosexual behaviour has been variously approved of, tolerated, punished, and banned. Homosexuality was not uncommon in ancient Greece and Rome."

ونفس الشىء نلقاه بوجه عام فى المادة المخصصة لذات الموضوع من "الموسوعة اليونيفرسالية: Encyclopaedia Universalis" ( ط2009م)، إذ هى أيضا لا ترجع إلى أبعد من روما واليونان. وفى موسوعة "الإنكارتا: Encarta" الفرنسية يتحدثون عن العلاقة التى كان يعرفها المجتمع الإغريقى القديم بين الصبيان والرجال، ثم لا شىء أبعد من ذلك تاريخيا. وهو نفسه ما نجده فى "الإنكارتا" الإنجليزية.

ولنفترض رغم ذلك كله أن ما قاله عباس صحيح، فهل يقصد القرآن مجرد الشذوذ الجنسى لدن قوم لوط؟ أم تراه يقصد ممارستهم جميعا له على نطاق واسع، وفى نواديهم، وعلانية، وفى عدوانية يقطعون فيها الطريق على الأطهار المستقيمين حسبما نقرأ فى الآيتين 28 - 29 من سورة "العنكبوت": "وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) ". ومن الملاحظ أن الجملة القرآنية فى كل من سورتى "الأعراف" و"العنكبوت"، وهما السورتان اللتان ذكرتا أسبقية قوم لوط فى هذا المجال، تجىء فيها عبارة "ما سبقكم بها من أحد من العالمين" حالاً لا نعتًا لأن "الفاحشة" معرفة لا نكرة، بما يمكن أن يكون معناه أن تلك الفاحشة فى حد ذاتها ليست هى الأمر غير المسبوق هنا، بل طريقة إتيان القوم لها. كذلك لا ينبغى أن يفوتنا مغزى تسمية الشذوذ الجنسى بين الرجال: "لواطا" (فى اللغة العربية) و" sodomy, sodomie" ( فى اللغات الأوربية). ترى ألا يشير ذلك على نحو أو على آخر إلى أن لقوم لوط وقريتهم وضعا خاصا فى هذه المعرّة الاجتماعية والأخلاقية ليس لقوم سواهم؟

أما تأكيد عِبْس أن الشذوذ الجنسى موجود أيضا بين الحيوانات فليس من غرضى أن أناقشه هنا لأنه لا صلة بينه وبين ما جاء عن قوم لوط فى القرآن وسبقهم العالمين فى ذلك الميدان رغم ما قرأته، فى مادة " Homosexual Behavior in Animals" فى النسخة الإنجليزية من "الويكبيديا: Wikipedia"، من أن عالمَ الحيوانات يعرف هو أيضا السلوك الجنسى الشاذ، وإن كان من العلماء من يستبعدون المسألة، إذ يَرَوْن فى ذلك الضَّرْب من السلوك خروجا على الفطرة لا يمكن أن يرتكبه الحيوان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير