تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والاجتهاد فيه باعتباره فرضا واجبا يحاسَب الإنسان على إهماله؟ ألا إن الرازى فى كلامه هذا، إذا كان قد قاله فعلا ولم يُحْمَل عليه حملا، لَضَيِّقُ العَطَن إلى مدى بعيد لا يصح من عالم مثله، لكنه التعصب الأعمى للأسف الذى يفعل الأفاعيل!

إن أى تلميذ مفعوص الآن ليعرف من المعلومات العلمية الطبيعية والرياضية ما لم يكن فى جَعْبة الرازى، إلا أن الأمة كلها على بَكْرة أبيها رغم ذلك متخلفة أشد التخلف فى العلم وغير العلم، وكل يوم تزداد تخلفا وتأخرا رغم انتشار المدارس والجامعات وكثرة الكتب والدروس والمحاضرات. وها هى ذى شوارع المحروسة وحاراتها تعج بتلال الزبالة المنتنة والمقذية للعين دون أن ينتفع المصريون، عوامهم ومتعلموهم ومثقفوهم، بما هو متاح لهم من العلم مما لم يكن لدى الرازى عشر معشاره. والسبب هو سقوط الهمة وتسلط البلادة واليأس على النفوس، وكلها أمور لا ينجع فيها إلا استنهاض العزائم واستفزاز الأرواح حتى تهب من رقدة العدم التى استنامت إليها وفرحت بها.

وهنا يأتى دور الإسلام، الإسلام الذى حصرته الحكومات وعلماء السوء فى الحديث عن الحيض والنفاس واللحى والجلابيب والحجاب والنقاب دون الاقتراب من النصوص التى تحض على الوقوف فى وجه الاستبداد والتبعية وسرقة المال العام "عينى عينك" بالملايين بل بالمليارات وتزييف الانتخابات بفجورٍ ما بعده فجورٌ وتحويل البلاد كلها إلى عزبة خاصة للحاكم الجاهل عديم الضمير والعقل والذوق والإحساس، ومعه أولاده وأقاربه الذين يجثمون مثله على صدر الأمة كالجبال لا تتزحزح أبدا، والشعب مطأطئٌ رأسه فى ذلة وانكسار واستسلام، ومنبطحٌ على الأرض تفعل به السلطات الغشوم ما تهوى دون أن يفتح فمه بكلمة. إخص عليك أيها الرازى المرازى إن كنتَ قلتَ ما هو منسوب إليك! لم يكن العَشَم فيك أن يُضِلّك عقلك فلا تنتفع بعلمك، بل تلحد وتكفر بالقرآن وبالنبى الذى نزل عليه القرآن اعتمادا منك على شبهات متهافتة، اللهم إلا إذا كانوا قد حملوا إليك ما لم تقله!

أما بالنسبة إلى قولك، حسبما نسب إليك الناسبون، بأن الأديان كانت سببا فى انشقاق البشر وتحاربهم، وبالتالى رحتَ تنادى بالتحرر منها، فكيف فاتك أن النزعة إلى التخاصم والتحارب لا ترجع إلى الأديان بقدر ما ترجع إلى ما رُكِّب فى غرائز البشر من حب الذات والتطلع إلى السيادة والسيطرة؟ وما رأيك فى أن فلاسفة أوربا ومصلحيها يقولون اليوم فى العلم ما كنت تقوله من قبل فى الأديان؟ فهل نلغى العلم ونقول بخطورته على البشر ونَفُضّها سيرة لأنه يصنع الأسلحة المبيدة المدمرة، ويضع الخطط التى تفكك الدول وتهدمها وتساعد فى الاستيلاء على ثرواتها ومقدّراتها وتغييب عقول شعوبها؟ إذن لن يكون ثمة علم ولا دين، ولا حضارة. وينطبق هذا على كل تصرف من تصرفات البشر، فالحروب تثور بينهم لأى سبب ولكل سبب ولأتفه سبب. وقد قامت حرب طروادة، كما يقولون، من أجل امرأة لا من جراء اختلاف الأديان. وفى عصرنا هذا تُشَنّ الحروب من أجل البترول والمواقع العسكرية والسيطرة الثقافية. والخصومات بين البشر لا تنتهى، بسبب الدين أو غيره. وإذا استعرنا لغة المسرح فإننا نستطيع أن نقول إن ألوان "الصراع" بين الناس لا حصر لها: فمن صراع بين الدول إلى صراع بين المدن إلى صراع بين كل حى وآخر إلى صراع بين الأُسَر إلى صراع بين الرجل وزوجته إلى صراع بين الأب وابنه إلى صراع بين أهل المهنة الواحدة إلى صراع بين الجيران إلى صراع بين الزملاء إلى صراع بين الأصدقاء إلى صراع بين الشخص الواحد ونفسه. ألا تقول العامة إن "المصارين تتخانق بعضها مع بعض"؟ نعم، قد يثور صراع بين عقل الإنسان وعاطفته، أو بين رأى عنده ورأى آخر، أو بين رغبة ورغبة ... إلخ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير