تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا، ولا نريد أن نكون ضيقى الأفق مثلك، إذا كنتَ قلتَ ذلك فعلا ولم يكن أحدهم قد نسبه إليك على غير الحقيقة، فنقول: أين الكتب التى تباهى بها؟ لقد انتهى أمرها وتجاوزتها مسيرة المعرفة، ولم تعد لها أهمية الآن. لكننا أعقل من أن نحاجّك بأسلوبك المتهافت، فإننا نعرف أن العلم ينبنى بعضه على بعض، وأن علم عصرك موجود فى طبقة مطمورة من طبقات المعرفة لم يضع، ولولا هو ما كانت علومنا اليوم. أما القرآن فإنه فى القمة دائما رغم كل ما يشغب به أعداؤه عليه ويوظفون أمثال عِبْس من المختلين أخلاقيا كى يَخْتِلوا المسلمين عن دينهم ويفقدوهم الثقة فى كتاب ربهم، مما كانت ثمرته "الفرقان الحق" و"القرآن الشعبى" و"القرآن الإصلاحى" و"قرآن رابسو"، والبقية تأتى، والحبل على الجرّار. أرأيت، يا رازى أو يا من تنطق باسم الرازى، كيف أننا أحكم منك؟ ثم أرأيت، أيها القارئ، كيف وظَّف عباسٌ البغل النغل كلام ذلك الرازى المرازى فى محاربة دين الأمة لحساب أمريكا، وهو يزعم أنه يأخذ بيدها إلى مراقى الفَلاَح؟

على أنى لا أريد أن أقع فى خطإ الرازى، بغض النظر عن أن يكون هذا خطأه فعلا أو شيئًا نُحِل له، فأقول إن العلم لا قيمة له، وإلا كنت من الجاهلين المغلقى الذهن، والعياذ بالله، بل أقول إن الإسلام والعلم أخوان شقيقان لا يستغنى أحدهما عن أخيه، وإلا كنت كبعض زملاء الشباب الأول فى القسم العلمى فى الثانوية العامة، الذين كانوا يغايظوننا نحن طلاب القسم الأدبى فيقولون على سبيل المفاخرة إنه لم يعد هناك أى داع للدارسات الأدبية (يقصدون الدراسات الإنسانية)، ومتسائلين على سبيل الرغبة فى الإفحام: هل بإمكانكم اختراع تليفزيون أو صاروخ مثلا؟ وكنت أضحك من هذه السذاجة قائلا: وهل يصلح التليفزيون دون أن يملأه أمثالنا من أهل الأدب والفن بالمسرحيات والتمثيليات والأفلام والأغانى والأحاديث وما إلى ذلك؟ ولم أكن أحب أن أُولِمَهم بلفت نظرهم إلى أنهم هم أنفسهم ضعفاء فى العلم الذى يباهوننا به ضعفا مزريا ويأتون دائما فى ذيل الطلاب فينجحون بـ"الحُرُكْرُك" بخمسين فى المائة أو أزيد قليلا، ودعنا من الحديث عن تخلفنا الشامل نحن المصريين، بل نحن العرب، بل نحن المسلمين أجمعين فلا نصنع تلفازا ولا دياولو.

كذلك لا أريد أن أكون مثل باحث الدراسات العليا الذى كنت أناقشه ذات يوم منذ عدة سنوات، وكان يظن أن "نحو النص" قد ألغى إلى الأبد "نحو الجملة"، فنبهته إلى أن النحوين يتعاونان ولا يتخاصمان، وأن لكل منهما تخصصه الذى يكمل تخصص الآخر. وكم كان مؤلما حين سألت ذلك الباحث وقتها عن إعراب إحدى الواوات فى النص الذى بين أيدينا فاحتار وبار، ولم يفتح الله عليه بكلمة صحيحة، فقلت له: أتراك الآن مصرا لا تزال على إلغاء نحو الجملة؟ إن نحو النص يُعْنَى بما يُكْسِب النص كله خصيصة التماسك والإحكام، أما نحو الجملة فيهتم بأصغر وحدة تركيبية فى النص، وهى الجملة، على حين يتولى علم الصرف أمر اللفظة المفردة. ولا شىء من هذه العلوم الثلاثة يغنى أبدا عن صاحبيه. وإن مَثَلك يا هذا، فى مناداتك بالاستغناء عن نحو الجملة، كَمَثَل شخص يريد هدم جدران الغرف والشقق وأبوابها اكتفاء بجدران البيت الخارجية وبابه الكبير. والواقع أننى لا أفهم لماذا اتخذ الرازى ذلك الاتجاه الضار إن كان فعلا قد اتخذه، وهو العالم الفيلسوف الذى كان ينبغى أن يكون أوسع من ذلك أفقا وأعمق نظرا.

ومن المضحك، وكل ما كتبه العِبْس مضحك، أن يقول فى موضع من كتابه فى هذا السياق إن علم الإعجاز قد بلغ غاية نضجه فى القرن الرابع، ثم يقول أيضا فى ذات الكتاب إن كتب الإعجاز قد ابتدأ ظهورها منذ القرن الرابع؟ (ص85). ترى كيف يجتمع ابتداءٌ ونُضْجٌ فى ذات التاريخ؟ إن الابتداء معناه أننا ما زلنا فى أول الطريق وأن علماء الإعجاز قد فتحوا لتوهم دكانة الدفاع عن القرآن وقد اخذوا يبتهلون وهم يتطلعون إلى السماء قائلين: يا هادى يا كريم! أما النضج فمعناه أننا وصلنا إلى خط النهاية، ولم يعد هناك زيادة لمن يبتغى زَيْدًا. فانظر، أيها القارئ الكريم، إلى هذا التخبط، وقل لى بالله عليك: ماذا يمكن أن نسمى صاحبه؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير