تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى نفس الشاكلة تكررت سخرية عبد الديجور من الحديث النبوى المعروف عن العسل، متخذا إياه دليلا على أن العلماء المسلمين، حين يصطدمون بأخطاء القرآن فى حديثه عن الكون، نراهم يلجأون إلى لَىّ الحقائق الكونية كى تتسق وما يقوله القرآن بشأنها رغم خطئه، قاصدا أن يقول إن العلماء، بدلا من تخطئتهم القرآن، يعملون على تخطئة الوقائع الصحيحة الصلبة التى تفقأ العين. ومن ذلك قوله (ص198): "وهذا يذكّرنى بحديث العسل، فقد جاء رجل يشكو إلى النبى مرضا يعانى منه أخوه فى بطنه، فأمره أن يسقى أخاه عسلا، وذلك عقب نزول آية العسل بوقت قصير عندما كانت لا تزال طرية فى الذاكرة: "يَخْرُج من بطونها شرابٌ مختلفٌ ألوانه فيه شفاء للناس" (16/ 69). فذهب الرجل وسقى أخاه عسلا، فاشتد مرضه. فرجع إلى النبى وذكر له ذلك، فقال له للمرة الثانية: اسقه عسلا. فرجع وسقى أخاه عسلا، فتفاقم مرض أخيه. ثم عاد إلى النبى للمرة الثالثة يكرر شكواه. ويبدو أن النبى ضاق به وبأخيه، فقال له للمرة الثالثة والأخيرة: "اسقه عسلا. صدق الله وكذب بطن أخيك". وعلى هذا سار المفسرون: تكذيب الأحداث، وتصديق القرآن. ألا من عَدِم العقل فليقل ما يشاء".

ولأن تلك المسألة تكررت من العِبْس مرات حتى باخت كان لا بد من إيراد حديث العسل كما هو فى كتب السُّنّة لا كما أورده المدلّس العريق فى التدليس والتخبيص، حتى يكون القارئ الكريم على بينة من الألاعيب التى يعتمدها صاحبنا فى مهاجمة النصوص القرآنية. وهذا نص الحديث المذكور كما جاء فى البخارى ومسلم والترمذى: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنُه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسقه عسلا"، فسقاه. ثم جاءه فقال: إني سقينه عسلا فلم يزده إلا استطلاقا. فقال له ثلاث مرات. ثم جاء الرابعة فقال: "اسقه عسلا فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق الله، وكذب بطن أخيك". فسقاه فبرأ".

ومن الواضح أن الكاتب لم يورد الحديث بتمامه لغرض فى نفسه. ومن الواضح أيضا أن الآيتين اللتين تتحدثان عن هذا الموضوع فى سورة "النحل"، ونصهما: "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) "، لم تحددا طبيعة الأمراض التى يشفيها العسل ولا الكيفية التى ينبغى استعماله بها للحصول على الشفاء. وقد اجتهد النبى عليه السلام فى تطبيقهما، ومن البين الجلىّ أن المقدار الذى شربه المريض من العسل فى البداية لم يكن كافيا، فظل يسقيه الرسول إلى أن وصلت مرات السقى إلى أربع لا ثلاث كما زعم المدلس الكذاب، ودون أن يضيق صدره عليه السلام على عكس ما افترى عليه كذابنا المدلس. وحين بلغ العلاج الحد الناجع برأ المريض مما كان يقاسيه. فأين إذن وجه السخرية من الحديث الشريف الذى بتره بترًا أبو العبابيس، أستاذ التدليس والتهليس، حتى يستخدمه فى الغرض الملتوى الذى يروم؟

ومن تسافه عِبْس على القرآن (ص268 - 269) مهاجمته لقوله تعالى: "وسخَّر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعا منه" وغيره من الآيات التى تدور فى نفس الفلك، إذ فهم أبو العريف أن معناها هو أن الله قد سخرها لنا نحن البشر وحدنا، وهذا غير صحيح كما يقول لأن هناك مخلوقات أخرى كثيرة تنتفع بما فى السماوات والأرض مثلما ننتفع نحن به. والحق أن أبا العريف الجاهل كعادته السيئة قد دس هنا أنفه المنتن فيما لا يحسن فطيّنها تطيينا. ذلك أنه ليس هناك حصر أو قصر فى الآية يجعل تسخير ما فى السماوات والأرض خاصا بالبشر وحدهم، بل المعنى أنه قد سُخِّر لنا ضمن تسخيره للمخلوقات التى تنتفع جميعا به. هكذا ببساطة يا أبا الجهل والحماقة!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير